لعبة الاجور والاسعار

لعبة الاجور والاسعار

مواطنون: الأسعار ترتفع قبل تطبيق الزيادة والمعاناة مستمرة

معلمو المدارس الخاصة: مرتباتنا «معدومة» ولا تأمينات ولا مكافآت

اقتصادي: الفجوة بين الأجور والأسعار تتسع.. وأى زيادة فى الرواتب يبتلعها «الغلاء»

«قطب»: الحد الأدنى للأجور لا يكفى أسرة صغيرة.. وقرار الحكومة «غير ملزم» للقطاع الخاص

خبير قانوني: 100 جنيه غرامة الشركات التى لم  تتطبق الحد الأدنى للأجور!

 

أصبح رفع الحد الأدنى للأجور، جرس إنذار لكل مواطن بسيط يخطره بوصول قطار «الغلاء»، رغم توجيهات الرئيس السيسى للحكومة بِضرورة تحسين معيشة المواطنين، وسط مؤشرات متذبذبة لمعدلات التضخم، فعادة فرحة تحسين الأجور يكسرها فزع ارتفاع الأسعار، وبالتالى نلاحظ أن معظم القرارات الـ 6 التى اتخذتها الدولة لزيادة «الأدنى للأجور» منذ يناير 2022 حتى مارس 2025، قابلها تحريك الأسعار.

وتحريك الأسعار مقابل رفع الأجور ليس هو الأزمة الوحيدة التى يعانى منها المواطنون، بل هناك ما هو أكبر من ذلك وهو عدم تطبيق القرار فى معظم شركات ومؤسسات القطاع الخاص، وكأنه «مسكن شعبي» يفتح الطريق أمام الحكومة بـ«رخصة»، لتحريك عجلات قطار «الغلاء» من وقت لآخر، دون رقيب على الجهات المخول لها تطبيق الحد الأدنى، والذى يعتبره البعض بأنه غير كاف لحياة كريمة، أوضبط الأسعار فى الأسواق وحركة الشارع المصرى، من مواصلات ووسائل نقل وسلع غذائية، بالإضافة إلى حرمان فئات كثيرة من الشعب من تطبق القرار، وعلى رأسهم العمالة غير منتظمة التى ما زالت تبحث عن كفيل يؤويها، والعاملين فى القطاع الخاص، وهو ما ترصده «تواصل» فى هذا التحقيق.

وقال أشرف خليل، موظف بأحد شركات الاتصالات، إن قرار الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص جيد، والجميع تحدث عنه فى وسائل الإعلام، لكن لكى يكون هناك مصداقية، يجب أن يعرف الناس كمية الخصومات التى تأتى على المرتبات بعد الزيادة.

وأضاف «خليل»: «لو الزيادة كحد أدنى كما أقرتها الحكومة لا تقل عن1100 جنيه فهذا يعنى أن صافى الزيادة بعد الخصومات والضرائب ستكون 750 جنيها تقريبا»، مشيرا إلى أن رفع الاجور دائما تصحبه زيادة على السولار والبنزين، مما يجعلنا لا نشعر بتلك الزيادة، بل بالعكس نلاحظ صعود معدل التضخم، حيث إن قيمة الراتب وقوته الشرائية تقل مما كانت عليه.

أما رنا أشرف، صيدلانية من محافظة أسيوط، فقالت:« يا رئيس الوزراء يأسنا من ارتفاع الحد الأدنى لأجور الذى لا يسمن ولايغنى من جوع فى تلك الأيام، فكل قرار يصدر تصحبه زيادة فى أسعار السولار والبنزين، وبالتالى زيادة فى أسعار كل السلع والمواصلات، فزيادة المرتب لاتغطى قوت أسبوع ».. وتساءلت: رنا أين حق أصحاب المعاشات وأصحاب المهن الحرة من الزيادات؟

والتقطت طرف الحديث أسماء عيد، فتاة عشرينية من محافظة القاهرة، مؤكدة أن زيادة الأجور «مسكن» لقرارات الحكومة الجديدة، وبصوت يملؤه الحزن والحيرة، تسألت عن حال العمالة غير منتظمة التى ما زال أفرادها يبحثون عمن يأويهم ويأخذ بأيدهم فى تلك الظروف، مقترحة تخفيض ميزانيات الحراسة الخاصة وسيارات الوزراء، بجانب خفض رواتبهم الطائلة، وامتيازاتهم الأخرى، مما يسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية، وضرورة تغير البوصلة بعيدا عن جيب المواطن البسيط الذى دفع وحده فاتورة الإصلاح الاقتصادى.

وروت نجاح المانيلى معلمة بإحدى مدارس مشتول السوق بالشرقية معاناتها قائلة:«مدرسو القطاع الخاص يتقاضون2000 جنيه وربما ألف وخمسمائة أو أقل، فمنهم من يحصل على 2500 جنيه كل شهرين وليس لنا تأمينات ولا مكافأة، وأضافت «علشان نتعين بمسابقة صعب جدا وشروطها قاسية، أصبحنا لا نطيق مهنة التدريس ومش عارفين نعيش لا فى قطاع خاص ولا حكومة، مرتبات معدومة وملناش حقوق..ياريت تنظروا لحالنا».

أما محمد سعيد شاب فى الثلاثين من عمره بمحافظة القاهرة، فقال: «الدولة ستقوم بتوفير المبالغ اللازمة لرفع المرتبات، من إبريل حتى يوليو 2025، لتوفير الدعم المالى لزيادة المرتبات، وبناء على ذلك اقترح عدم زيادة المرتبات، وتوجيه هذه الأموال لدعم السلع الأساسية للمواطن، وعدم رفع الرسوم على الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية أيضا، على أن تقدم له الخدمات بطريقة مباشرة، وبالتالى يعم الدعم الجميع دون تخصيصه لفئة معينة».

وذكر ياسين محمد شاب فى العقد الثالث من عمره، من سكان محافظة الجيزة، أن« قرار زيادة الأجور خطوة إيجابية لدعم الموظفين وتحسين مستوى المعيشة، لكن الأهم هو ضبط الأسعار عشان الزيادات يكون لها تأثير حقيقى، فالأجور تزيد، والأسعار ترتفع بمعدل أعلى، وبالتالى لا يشعر المواطن بالفرق، وعشان كده لازم يكون فى رقابة قوية على الأسواق لضمان الاستفادة من الزيادات».

وطالب حسين البنا، مأمور ضرائب بالمحمودية بمحافظة الجيزة، رئيس الحكومة، بإعادة النظر فى حد الإعفاء الشخصى، بالنسبة لضريبة كسب العمل، حيث إن الحد الأدنى للأجور طبقا للقرار 7000 ج، يعنى 84 ألف فى السنة، وحد الإعفاء الضريبى 40 ألفا، وحد الإعفاء الشخصى الحالى 20 ألفًا، لذلك نتمنى تعديل حد الإعفاء الشخصى إلى 44 ألفًا، فيكون إجمالى الإعفاء السنوى لضريبة كسب العمل 84 ألفًا، بما يتماشى مع الحد الأدنى للأجور، حتى يشعر الموظف الصغير بزيادة الأجر، والدولة تحافظ له على مرتبه دون خصومات.

وأكد عبد الرؤوف قطب، رئيس الاتحاد العام لشركات التأمين، سابقًا، أن قرار زيادة الحد الأدنى للأجور ما هو إلا مناشدة وتوصية للقطاع الخاص، لأتباعه، وليس إلزاميًا للشركات، ولكن الحكومة أوصت به القطاع الخاص مراعاة للعاملين به وتحقيق العدالة بينهم وبين موظفى الحكومة.

وأضاف «قطب» أن قرار الدولة برفع الحد الأدنى للأجور يعد دعما للمواطن فى ظل ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار، خاصة أن ارتفاع الأسعار أصبح ظاهرة تحتاج لحلول جذرية، مشيرا إلى أن الحكومة لديها التزامات أخرى، لذلك لم ترفع الحد الأدنى لأكثر من 7 آلاف جنيه رغم أنه لا يكفى أسرة مكونة من 4 أفراد، وهى أقل أسرة، ولكنه يتجاوب مع التضخم، معقبًا: «ما لم يدرك كله، لا يترك كله».

وتابع: أن مبلغ الـ7 آلاف جنيه ربما يكفى أسرة مكونة من زوج وزوجة فقط، مناشدا الحكومة بمراجعة التضخم والأسعار، وتخصيص حد أدنى للأجور يتماشى مع معدلات التضخم بشكل دورى.

وأوضح عبد الرؤوف قطب، أن هناك شركات ناشئة وصغيرة فى القطاع الخاص، لا تستطيع تطبيق الحد الأدنى للأجور، بخلاف الشركات الكبيرة والمساهمة التى تمتلك القدرة على ذلك، ورغم ذلك بعضها يتقاعس عن تطبيق هذا القرار، لذلك يجب على الدولة القيام بدراسة لحصر الشركات التى تمتلك إمكانيات تطبيق القرار وإلزامها به، مؤكدا أن الدولة تمتلك آليات إلزامها.

وأشار إلى أن العمالة غير المنتظمة «كان الله فى عونهم»، فهم فى منطقة بعيدة كل البعد عن حزم الحماية الاجتماعية، فمعظهم “يعمل يوم والآخر لا”، يعيشون حياتهم «على باب الله»، وينتظرون الفرج يوما بعد يوم، كما أن معاشات تكافل وكرامة لاتكفيهم وتعتبر رمزية مقارنة بمتطلبات الحياة، فلذلك يجب دعمهم عن طريق وزارة التضامن الاجتماعى بتخصيص برامج وحزم اجتماعية تساعدهم على أعباء الحياة.

زيادة اسمية

وأكد الدكتور حسام الغايش، المحلل الإحصائى وخبير الجدوى الاقتصادية، أن زيادة الأجور «اسمية وليست فعلية»، فنلاحظ أن الحد الأدنى للأجور ارتفع عدة مرات، بداية من يناير 2022 كان 2400 جنيه وكان يساوى وقتها نحو 140 دولارًا، ثم زاد فى مارس 2025، وفى 2024 أصبح 7 آلاف جنيه، وهو ما يقل عن 140 دولارًا، وبالتالى فالأجور زادت رقميًا لكنها تناقصت فعليًا، مما يعنى أن القوة الشرائية تراجعت.

وأضاف «الغايش» أن السبب الأساسى لهذا التراجع هو ضعف الجنيه وانهياره أمام الدولار، فهناك زيادة فى أسعار الذهب، وكل السلع تقريبا مما زاد من معدلات التضخم، كما أن ارتفاع سعر الدولار الجمركى أدى إلى رفع أسعار معظم السلع المستوردة، ففى واقع المعيشة، لاحظ المواطن أن راتبه لم يعد يغطى نفس الاحتياجات التى كان يغطيها قبل عام أو عامين، وأن كل زيادة فى الأجر تقابلها زيادة أكبر فى الأسعار، فتبتلع أى زيادة فى الأجور.

وأشار إلى أن ما يحدث أن الدولة ترفع الحد الأدنى لإظهار الاستجابة لآلام المواطنين، لكن دون معالجة الأسباب الحقيقية للتدهور الاقتصادى (الإنتاج، التصدير، الاستثمار، الاعتماد على الخارج) ولذا يصبح هذا الرفع مجرد تخفيف مؤقت لا يغير الواقع، وبالتالى زيادات الأجور لم تعد تترجم إلى تحسن معيشى لأن الجنيه يفقد قيمته بسرعة، وبالتالى فإن الفجوة بين الأجور والأسعار تتسع، فتزيد معاناة المواطنً.

وأضاف: أن رفع الأجور لم يعد خبرا مفرحا للمواطن البسيط، وأصبح إشارة لبداية موجة غلاء جديدة، لعدة أسباب، بينها أن التجار يستبقون أى زيادة لرفع الأجور، لتوقعهم زيادة القدرة الشرائية، فيرفعون الأسعار مباشرة حتى قبل حصول المواطن على الزيادة، وأوضح أن الاقتصاد المصرى غير منتج بما فيه الكفاية، وبالتالى عندما تزيد الأجور فى اقتصاد غير إنتاجى بيعتمد على الاستيراد والخدمات بدل الصناعة والزراعة)، فهذا معناه زيادة الطلب بدون زيادة العرض، وبالتالى تكون النتيجة الطبيعية هى التضخم.

ولفت الغايش إلى أن عدم وجود رقابة حقيقية على السوق جعل الأسعار تتحرك بعوامل نفسية واحتكارية دون الحرص على التكاليف الحقيقية، فرفع الأجور يتحول لحجّة لزيادة الأسعار ليس أكثر، أما عن تأثير خفض الفائدة بـ225 نقطة أساس (2.25%)، فالتأثير نظريًا إيجابى على الاستثمار والإنتاج، لكن واقعيًا معقد.

وأردف الدكتور حسام الغايش، أنه إيجابى على الاستثمار المحلى، فخفض الفائدة يعنى أن الاقتراض من البنوك سيكون أرخص، ممكن يشجع المستثمرين على التوسع أو دخول مشاريع جديدة، ويعتبر سلبيًا على الجنيه والمدخرين، كون خفض الفائدة يجعل الجنيه أقل جاذبية، ويقل الإقبال على شهادات الادخار، وبالتالى ممكن يزيد الطلب على الدولار أو الذهب (كمخزن قيمة)، فيضغط على الجنيه مرة أخرى.

وتساءل الغايش: ما هو الأجر العادل فى ظل التضخم؟.. الإجابة صعبة لأنها ليست رقمًا ثابتًا، فتعريف الأجر العادل،هو الأجر الذى يوفّر احتياجات أسرة متوسطة (4 أفراد مثلًا) من: سكن، غذاء، تعليم، صحة، مواصلات، وفائض بسيط للادخار، وبناء على معدلات التضخم منذ 2022 وحتى 2024، فإن التضخم التراكمى الفعلى تخطى 120% إلى 150% وفى بعض السلع أكثر، ولو كان الحد الأدنى للأجور 2400 جنيه فى 2022، فالأجر العادل اليوم لكى نقوم بشراء نفس الاحتياجات يتراوح بين 180 إلى 200 دولار شهريا أى ما يعادل متوسط 9,000 إلى 10,000 جنيه.

عقوبات غير رادعة

وقال أيمن محفوظ المحامى: إن الدولة وضعت حدًا أدنى للأجور لكافة العاملين فى الدولة، يطبق على القطاع العام والحكومى، ولكن عمال القطاع الخاص قد يواجهون بعض التعسف من أصحاب المنشآت وعدم التزامهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور، رغم أن المادة 34 من قانون العمل تنص على إنشاء مجلس قومى للأجور برئاسة وزير التخطيط يختص بوضع موازنة بين الأجور والأسعار، وأضاف أن هذه المادة وضعت حل للتهرب من تنفيذ المنشآت الخاصة لقرار الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص، ونصت على أنه إذا ادعت منشأة خاصة تعرضها لظروف اقتصادية تمنعها من تنفيذ قرارات زيادة الأجور والعلاوات، يتم تشكيل لجنة تبحث الأمر، إلا أن القانون وضع عقوبات واهية لمخالفة القرار وهى الغرامة من 100 إلى 500 جنيه وتتعدد بتعدد العمال وتتضاعف فى حال العود وتكرار المخالفة.

وتابع أن العقوبات والأعذار القانونية التى تمنع تطبيق الحد الأدنى للأجور الذى هو توجه من الدولة بكافة مؤسساتها لتوفير الحماية الاجتماعية للعامل وللأسرة، تضر ضررًا بالغا بالدولة، وتضيع هيبة القرارات المصيرية للحكومة، فلابد من تجديد العقوبات وتوقيع جزاءات إدارية على المنشآت المخالفة لقرار الحد أدنى للأجور فى القطاع الخاص بالغلق أو الغاء التراخيص لمدة محدودة أو أبدية حتى يضمن العمال تحقيق ما أقرته الحكومة لهم من ضمانات اجتماعية.

تسلسل ارتفاع الحد الأدنى للأجور وسعر الدولار:

المرتبات بالجنيه المصري

سعر الدولار

المرتب بالدولار

2400 جنيه

يناير 2022

الدولار بـ 15.64 جنيه

153.46 دولار

2700 جنيه

يناير 2023

الدولاربـ 24.75 جنيه

109.09 دولار

3000 جنيه

يوليو 2023

الدولار بـ 27.55 جنيه

108.92 دولار

3500 جنيه

يناير 2024

الدولار بـ 31 جنيه

112.90 دولار

6000 جنيه

مايو 2024

الدولار بـ 50.10 جنيه

119.76 دولار

7000 جنيه

مارس 2025

الدولار بـ 50.21

139.38 دولار