كيف يعيد عصر “شبه الأتمتة” تشكيل مستقبل الصناعة؟

كيف يعيد عصر “شبه الأتمتة” تشكيل مستقبل الصناعة؟

في زمن تتسارع فيه التحولات التكنولوجية بشكل غير مسبوق، يقف العالم الصناعي على أعتاب ثورة جديدة. هذه الثورة، التي أُطلق عليها اسم “الثورة الصناعية الخامسة”، لا تركز فقط على الأتمتة والابتكار التكنولوجي، بل على الشراكة الذكية بين الإنسان والآلة.

 وبحسب سايمون بينيت، مدير الابتكار والحاضنات في شركة AVEVA الرائدة في البرمجيات الصناعية، فإن هذه المرحلة القادمة تُعرف بـ “عصر شبه الأتمتة” – وهو مفهوم يُبرز قوة التعاون بين الذكاء البشري والرؤى الآلية في مواجهة تحديات الحاضر وصناعة مستقبل أكثر استدامة.

ما هي شبه الأتمتة؟ ولماذا هي محورية في الصناعة؟

شبه الأتمتة ليست مفهوماً جديدًا بقدر ما هي تطور طبيعي لتكامل التكنولوجيا والإنسان، في مواجهة أزمات مثل اختناقات سلاسل التوريد وقيود الطاقة وتغير تفضيلات المستهلكين، أصبحت الحاجة ماسة إلى حلول ذكية تدمج قدرات الإنسان في التحليل والحكم مع سرعة ودقة الأنظمة الذكية.

ومن خلال تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، الروبوتات الصناعية، التوائم الرقمية، والنماذج اللغوية الكبيرة المخصصة (LLMs)، تتيح شبه الأتمتة بيئات عمل أكثر كفاءة وأمانًا واستدامة، مع تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف ورفع القدرة الإنتاجية.

4 تقنيات تقود مستقبل الصناعة وتُعزّز الإبداع البشري

 1. إنترنت الأشياء الصناعي (IIoT): الجهاز العصبي للمصنع الذكي
يشبه إنترنت الأشياء الصناعي الجهاز العصبي المركزي في المنشآت الحديثة. تقوم المستشعرات الذكية والأجهزة المتصلة بجمع البيانات من خطوط الإنتاج وإرسالها إلى الأنظمة للتحليل الفوري. هذه البيانات تُترجم إلى رؤى تنبؤية، تُساعد في تجنب الأعطال وتقليل التكاليف.  
شركة Duke Energy، على سبيل المثال، استخدمت بيانات من 30,000 جهاز استشعار لتحديد 10,000 عطل قبل وقوعه، مما وفّر للشركة 45 مليون دولار خلال 3 سنوات.

 2. التوائم الرقمية: محاكاة الواقع لتحسين الأداء
التوأم الرقمي هو نموذج افتراضي يعكس نظامًا أو كيانًا حقيقيًا. هذه التقنية تمكّن المؤسسات من اختبار سيناريوهات محتملة دون المخاطرة على أرض الواقع. شركة TotalEnergies استفادت من التوائم الرقمية لتتبع انبعاثات الكربون وتحسين الكفاءة، محققة وفورات بلغت 1.5 مليون يورو في عام واحد.

 3. النماذج اللغوية الكبيرة المخصصة: الذكاء الصناعي بلغة بشرية
تعيد النماذج اللغوية تشكيل العلاقة بين الإنسان والآلة، حيث يمكنها تفسير البيانات الصناعية المعقدة والرد على استفسارات العاملين بلغة طبيعية. يستطيع مهندس مثلاً أن يسأل عن أداء توربينات بعينها ليحصل على تحليل دقيق ومباشر، مما يُسرّع عملية اتخاذ القرار.

4. الروبوتات الصناعية: شركاء ذكيون لا بدائل
من الطائرات بدون طيار إلى الأذرع الآلية، الروبوتات لم تعد تهدد وظائف البشر بل أصبحت **أدوات لتعزيز الكفاءة والسلامة. في إيطاليا، استخدمت شركة Livetech الروبوتات لتحقيق زيادة بنسبة 50% في الإنتاج وسرعة تغليف أعلى مع تقليل التكاليف بنسبة 40%.

المستقبل ليس في استخدام تقنية واحدة، بل في تكامل مجموعة من التقنيات لخلق منظومة صناعية ذكية مترابطة. تخيل روبوتًا متنقلاً يلتقط بيانات من المصنع بشكل مباشر، يُغذي توأمًا رقميًا لحظيًّا، ثم تُحلل هذه البيانات عبر نموذج لغوي كبير يُصدر توصيات استراتيجية فورية للإدارة.

بل وأكثر من ذلك، يمكن للطائرات بدون طيار أن تقوم بمهام الاستجابة الأولية عند صدور إنذارات مبكرة، ما يقلل المخاطر على حياة البشر ويوفر آلاف الدولارات في التكاليف التشغيلية.

ورغم هذه القفزة التقنية، يؤكد بينيت أن الإنسان سيبقى دائمًا في قلب العملية الصناعية. “الأنظمة الذكية قد تحلل البيانات وتوصي بخطوات، لكن القرار النهائي سيكون دائمًا بيد الإنسان”، على حد تعبيره. ويشير إلى أن 71% من كبار التنفيذيين باتوا يعتبرون تقنيات الذكاء الصناعي أداة ضرورية للحفاظ على القدرة التنافسية في الأسواق.

شبه الأتمتة ليست فقط موجة عابرة، بل **الطريق نحو مستقبل صناعي أكثر ذكاءً وكفاءة واستدامة. ومع تطور أدوات مثل الذكاء الاصطناعي المسؤول، سيتحوّل دور الإنسان من منفّذ إلى موجه واستراتيجي، يُوظف التقنية لخدمة البشرية لا العكس.