«قنوات النيل»: حياة.. والريادة لا تصنع بالاستنساخ

عندما اختير اسم «قنوات النيل» لهذه المجموعة من القنوات الإعلامية عام 1998، لم يكن الأمر ارتجالاً أو سهلاً. بل جاء بعد نقاشات طويلة وجادة، لأنه ببساطة لم يكن المطلوب مجرد اسم، بل هوية تعبر عن انطلاقة جديدة للإعلام المصرى، وهو ما جسده اسم «النيل» بدقة وبعمق.
النيل لم يكن مجرد نهر… بل هو الحياة لمصر. وكل مصرى يعرف أن الحضارة المصرية ولدت على ضفافه، وتغذت من مياهه، واستمدت وجودها منه. ومن هنا، كان إطلاق اسم «قنوات النيل» تعبيراً واعياً عن انبثاق حياة جديدة فى الإعلام الوطنى، تماماً كما أن النيل يمنح الحياة لكل ما يمر به. عندما أطلقنا اسم النيل على القنوات، كان من الممكن إطلاق أسماء كثيرة على تلك الشبكة الفضائية، لكن المسئولين فى ذلك الوقت وجدوا فى النيل المعنى الذى يترجم الفكرة، فالنيل يحمل الحياة للمصريين، والإعلام يحمل فكر الحياة.
وما يزيد الأمر غرابة أن يأتى هذا الاقتراح فى لحظة سياسية حرجة، حيث تخوض مصر معركة وجود تتعلق بمياه النيل، فى ظل أزمة سد النهضة الأثيوبى. ومع أن المنطق يقول إن على الإعلام أن يسخر أدواته للدفاع عن النيل، وتذكير المصريين والعالم بأهمية هذا النهر، نجد من يطرح بكل بساطة إزالة الاسم من قنواته الإعلامية، فى مفارقة مؤسفة لا تفهم!
هذه القنوات التى انطلقت فى مايو 1998 ببث تجريبى، ثم بدأت بثها الفعلى فى أكتوبر من نفس العام، شكلت نقلة نوعية فى الإعلام المصرى، وتضم اليوم 12 قناة، هى:
قناة نايل دراما، قناة نايل لايف، قناة نايل كوميدى، قناة نايل سينما، قناة نايل سبورت، قناة نايل العائلة، قناة النيل الثقافية، قناة النيل الدولية، قناة النيل للأخبار، قناة التعليم العالى، قناة مصر التعليمية، قناة مصر التعليمية 2.
كل واحدة من هذه القنوات كانت تعبيراً عن تخصص وفكر، ومساهمة فعالة فى تشكيل وعى وثقافة ملايين المصريين فى الداخل والخارج.
يخرج علينا الإعلامى أحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام وقرر مجدداً إحياء مشروعه القديم: تغيير اسم قنوات النيل إلى «موليوود». وكأننا نفتقر إلى هوية أو نفتقر إلى ريادة! يتحدث عن الريادة وكأنها تصنع بالنسخ لا بالإبداع، بينما هذه القنوات صنعت من فكرنا وثقافتنا، وكانت أولى من خاطبت كل شرائح المجتمع فى الفن والدراما والثقافة والرياضة وحتى السياسة.
ما معنى «موليوود»؟ مجرد محاولة لمحاكاة «هوليوود» و«بوليوود». لكن مصر لا تقلد، مصر تحتذى. ولسنا بحاجة إلى استنساخ أسماء الغير ونحن نمتلك رمزاً خالداً اسمه «النيل»، هو اسم يعكس أصالة ومصرية هذه القنوات، ويكفيه أنه مرتبط بأهم عنصر فى وجودنا.
الرفض الشعبى والإعلامى لهذا المقترح لم يأتِ من فراغ، بل من وعى عميق بأن هذه القنوات ليست ملكاً لأشخاص، ولا مجال فيها للاجتهاد الفردى. إنها ابنة الشعب، تماماً كما النيل أب لكل المصريين. ولا أحد يملك أن يغير اسمها أو يعبث بهويتها.
فلا أحد – ببساطة – يقبل أن يأتيه جاره أو حتى شقيقه ليطلب منه تغيير اسم ابنه بعد أربعين عاماً، لمجرد أن الاسم «أصبح غير عصرى» أو «لا يواكب الموضة»! قنوات النيل عمرها الآن أكثر من ربع قرن، وهى ابنة الشعب، وملك للمصريين، ولا تمس هويتها تحت أى ظرف.
إذا كانت «هوليوود» رمزاً للسينما الأمريكية، فإن «قنوات النيل» رمز للحياة الثقافية والإعلامية المصرية. اسم لا يشترى ولا يباع… بل يُحترم.