قبل أن نكون غنائم حرب

شبكة تواصل الإخبارية تقدم لكم خبر
العالم بعد تنصيب ترامب رسميًا للولايات المتحدة يناير الماضى، ليس كما كان قبل ذاك التاريخ، بدأ ترامب منذ اللحظات الأولى بتطبيق ما يؤمن به من استخدام القوة المميتة والغاشمة بالتلويح تارة والتهديد تارة أخرى لفرض ما يريد، معتقدًا أن تلك السياسة هى الأصوب لإصلاح عالم أفسدته الدبلوماسية البائسة والسلام الباهت، مستترًا خلف شعار«أمريكا أولًا»، حاملًا لواء «MAGA أمريكا عظيمة مرة أخرى»، ضاربًا بتلك السياسة عرض الحائط والتاريخ والجغرافيا والمواثيق وعرض الإنسانية فى مقتل، وبات الجميع بين عشية وضحاها أمام تركيبة نفسية لرجل يعتقد أنه ولى أمر هذا العالم ومليكه، بما فيه ومن فيه، فتغيرت حسابات الحلفاء قبل الأعداء، وتغيرت معها قواعد اللعبة وموازين القوى، وربما تتغير معها خرائط دول بأكملها.
بدأت أوروبا تشعر بالخطر، نتيجة لتلك السياسات، خاصة بعد التقارب والدعم الذى أبداه ترامب لبوتين ضد أوكرانيا، كأول رئيس للولايات المتحدة يفعل ذلك، ولا يرى ما تراه أوروبا، بأن ما تفعله روسيا يهدد أمن النظام العالمى، موبخًا الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى لعدم دفعها ما يكفى، واصفًا أوروبا بأنها تستغل الضمانات الأمنية الأمريكية بالمجان.
فظهر الرئيس الفرنسى «ماكرون» فى خطاب الأربعاء 5 مارس يدعو فيه إلى إعادة تسليح كبرى، وأن أوروبا لا تستطيع «العيش على عوائد السلام»، وأعلن «ماكرون» عن خطط لعقد اجتماع لجميع رؤساء الجيوش الأوروبية فى باريس، مشددًا على الحاجة إلى دفاع عسكرى مستقل، مؤكدًا: «نحن ننتقل إلى عصر جديد».
وفى 15 مارس أكد الكاتب «تيموثى جارتون آش» فى صحيفة الجارديان البريطانية على تلك الحالة التى أشرنا إليها وأكد ضرورة أن يتبنى الأوروبيون مقاربة جديدة للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة التحديات الأمنية الراهنة، خاصةً مع تزايد التهديدات من روسيا، والانفصال المتزايد للولايات المتحدة عن الشئون الأوروبية، قائلًا: إن أوروبا بحاجة إلى «الاستقلال الاستراتيجى» فى الدفاع، لمواجهة ترامب الذى يُشكك فى التزام أمريكى عمره 80 عامًا بالدفاع عن أوروبا ضد روسيا.
فى السياق نفسه وامتدادًا له، نشر موقع «بولتيكو« فى 3 أبريل تقريرًا، تناول فيه تفاصيل عشاء سرى جمع مسئولين بريطانيين بحلفاء أوروبيين فى بروكسل لوضع خطط لإنشاء صندوق دفاع جديد لغرض شراء الأسلحة بشكل مشترك، وإعادة التسلح بشكل أسرع.
لم يكن نظرة الحلفاء لسياسات ولى الأمر الجديد بعيدة عن رعاياه، فقد اكتشف الشعب الأمريكى مبكرًا خديعة شعار«أمريكا أولًا» وحالة النصب الانتخابى تحت راية «أمريكا عظيمة مرة أخرى»، فخرجت احتجاجات «ارفعوا أيديكم» تؤيدها حشود غفيرة فى بوسطن وشيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك وواشنطن، تنديدًا بسياسات «ترامب» الإجتماعية والاقتصادية، ووفقًا لما أعلنته الجهات المنظمة لتلك الاحتجاجات، فإن الهدف من التظاهر كان تسليط الضوء على «أسلوب حكم ترامب الاستبدادى»، مثل قرارات فصل الموظفين الفيدراليين وتفكيك وزارة التعليم، واعتراضًا على سياسة ترامب الخارجية، إلى جانب قضية فرض الرسوم الجمركية التى أقرها ترامب ووصفها المحتجون بالصادمة.
الخلاصة: أن العالم يتغير وتتغير معه موازين القوى، العالم يتبدل وتتبدل معه خريطة الحلفاء والأعداء، وصار استعراض القوة والتهديد والضرب المباشر لأهداف بعينها لغة الدبلوماسية والتفاوض الجديدة، مثل ما فعلته إيران مؤخرًا بالكشف عن «مدن الصواريخ»، وهى مجموعة من المخابئ السرية تحت الأرض تخزن فيها «طهران» صواريخ يمكن استخدامها للرد على ما تعتبره عدوانًا من دول مثل الكيان المحتل والولايات المتحدة.
كما هددت إيران بقصف القاعدة العسكرية الموجودة فى جزيرة «دييجو غارسيا»، وهى جزيرة بريطانية فى المحيط الهندى، وهذا التهديد لم يسبق لإيران أن أعلنت إمكانية تنفيذه، حسب مانشره موقع «بى بى سى»، وقد أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة نقلت ما يصل إلى ست طائرات حربية إضافية مزودة بتكنولوجيا التخفى، قادرة على حمل أثقل القنابل الأمريكية، إلى قاعدة عسكرية قادرة على الوصول إلى إيران واليمن، وفقًا لما صرّح به مسئولون أمريكيون لوكالة رويترز.
فى النهاية: تلك الهواجس التى تجتاح أوروبا بالبحث عن سياسة دفاع وتسليح ذاتى مشترك، نحن كعرب أولى بها منهم، نحن فى دائرة الخطر وبؤرة الصراع، نحن فى قلب الأحداث ودائرة التهديد والأهداف لتلك التركيبة النفسية الصادمة، القائمة على الابتزاز والضغط والتلويح باستخدام القوة لفرض سياسة ورغبات ولى الأمر الجديد.
نحن كعرب أولى من أوروبا بإعادة التفكير والبحث الجدى عن حقيقة ما نملك، وما يمكن أن نكون عليه، وما يمكن أن نفعله من أجل غزة وحماية أهلها، وإبطال فتيل القتل والإبادة والتدمير والتصدى بقوة لمخطط التهجير الذى يريد ترامب فرضه قسرًا وجبرًا وقهرًا.
نحن كأمة واحدة أولى من غيرنا بالبحث الجدى مجتمعين وبصدق، عن طريق للخروج الآمن والاستقلال الذاتى، قبل أن نكون غنائم حرب لتلك التركيبة الاستعمارية «المتبجحة» التى تكرهنا، وتريد استنزاف ونهب مواردنا، وقبل أن نباع منفردين واحدًا تلو الآخر و نصبح خرائط قابلة للتقسيم علي طاولة مفاوضات وصفقات من نظن أنهم حلفاء لنا.
حفظ الله مصر من كل سوء.
[email protected]