من القاهرة إلى بغداد.. العرب يخوضون معركة الزمن لإنقاذ المنطقة

– السفير حسام زكي يكشف انقسام الشارع العربي بين المقاومة والمفاوضات لحل القضية الفلسطينية…-أمريكا لم تعد قادرة على كبح إسرائيل ونتنياهو يريد استمرار الحرب حتى لا ينتهي…
مع صرخات أطفال غزة الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه، تتقاطع أنفاس الدبلوماسيين مطالبين بإصرار وقف الحرب وحل الدولتين، ومن قمة القاهرة الطارئة إلى قمة بغداد المقرر عقدها في ١٧ مايو تظل فلسطين القضية المركزية للعرب وعلى رأس الأولويات على المستوي الرسمي والشعبي ، وكشف السفير حسام زكي، عن “الفجوة ” في الرؤى العربية للشارع العربي . من ناحية، قلوب تذوب حمماً تطلب المقاومة المسلحة ، ومن جهة أخرى، عقول تتوسل الدبلوماسية. وفي الخلفية، مشهد مروع تجردت منه كل معالم الإنسانية وواشنطن تفقد قبضتها على حليفتها إسرائيل، ونتنياهو الذي حول أرواح الفلسطينيين إلى وقود لإنقاذ مستقبله السياسي.
الانقسام في الشارع العربي :
رسم السفير زكي خريطة الصدع بين المواطنين في الشارع العربي بقوله: “بينما يصرخ الملايين بالمقاومة، يرى آخرون أن المفاوضات هي المخرج”. لافتا أن الجامعة العربية تؤكد حقاً لا جدال فيه: ” بأن للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال مشروعية المقاومة، لكن بشروط بان تكون المقاومة ببوصلة سياسية، لا عاصفة غضب عشوائية .
أشار زكي إلى أن “الجلد الذاتي” العربي يفاقم الأزمة، داعيًا إلى نقد بناء وليس تمزيقًا للوحدة. قائلا :” كثيرًا ما نكون نحن العرب قساة على أنفسنا، ونعاني من جلد الذات أكثر مما نمارس النقد الذاتي البناء” ، موضحًا أن هناك دعم عربي قوي للقضية الفلسطينية ، لكنه يحتاج إلى استراتيجية موحدة ، مؤكدًا أن العمل العربي المشترك يمكن أن يحقق الكثير للقضية الفلسطينية لافتا أن مصر وقطر يلعبان دور بارز في القضية الفلسطينية على المستوي الاقليمي والدولي. وتابع:” أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يريد الاستمرار في الحرب حتي لا ينتهي مستقبله السياسي.”
وفي إشارة إلى المأزق الاستراتيجي والمخطط الإسرائيلي، حذر حسام زكي في حواره على قناة DMC قائلا: ” أن الحرب ستنتهي، لكن ربط حل الدولتين بوقف إطلاق النار هو بالضبط ما يريده المحتل”. مؤكدًا أن استمرار الحرب لا يجب أن يكون عائقًا أمام العمل على الحل طويل الأمد، والمتمثل في حل الدولتين.
كلماته تذكرنا بجلسة مجلس الجامعة الأخيرة، حيث صرح الأمين العام أحمد أبو الغيط في المؤتمر الصحفي بحقيقة قاسية قائلا: “140 دولة تعترف بفلسطين، لكن الاعتراف وحده لا يوقف القتل”. لم تكن كلمات أبو الغيط مجرد خطاب روتيني، بل ناقوس خطر: “غالبية الدول تعترف بفلسطين، لكن القرارات تتحطم على صخرة الفيتو الأمريكي” .
وفقا لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو 49 مرة ضد قرارات مجلس الأمن المتعلقة بدولة الاحتلال منذ 1972. هذه المفارقة تدفع بالتحالف العربي-الإسلامي، بريادة سعودية، إلى تسريع خطته للضغط على المجتمع الدولي عبر مؤتمر يونيو المقبل بالأمم المتحدة، الذي يطمح إلى تحويل الاعترافات إلى إجراءات عملية.
من جهته، شدد الوزير الأردني أيمن الصفدي رئيس الدورة 163 لمجلس الجامعة، على أن ” التهجير خط أحمر” بالنسبة لمصر والأردن، واستند إلى الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة التي تثبت إمكانية تحقيق الاستقرار دون ترحيل السكان.
وأضاف الصفدي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب مجلس وزراء العرب في دورته الأخيرة، أن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للعرب، والهدف الأول الان هو وقف العدوان على غزة، ووقف الدمار، والتجويع، والتخريب، مشيراً إلى استمرار العمل من أجل وقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار
ووفق برنامج الأغذية العالمي، ان التحدي الأكبر الان في غزة يظل في كسر الحصار الإنساني، حيث يعاني 1.9 مليون فلسطيني من انعدام الأمن الغذائي.
حليف أم شريك في الجريمة:
وعن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل والتي تعد وجهان لعملة واحدة ، أوضح السفير حسام زكي أن واشنطن فقدت زمام المبادرة، وإسرائيل أصبحت وحشاً . وقال السفير حسام زكي :” أن الجامعة العربية تتواصل مع الجانب الأمريكي لكن إدارة ترامب تختلف عن إدارة بايدن، كما أن الولايات المتحدة فقدت التأثير في توجيه السياسة الإسرائيلية وتحجيمها.”
هذه الحقيقة تجد صدى لها في تصريحات أبو الغيط الذي كشف عن “جهد دبلوماسي عربي-إسلامي” تقوده السعودية، لكنه يصطدم بـ”جدار التعنت الإسرائيلي المدعوم أمريكياً”.
وتابع السفير حسام زكي: “إسرائيل لديها قوة غاشمة ولا تريد أن تتراجع عن الحرب وتصر على إلحاق أشد الألم والضرر للشعب الفلسطيني سواء من المقاتلين أو المدنيين على حد سواء
نزيف السودان وتراجع الاهتمام:
ولا تقل الأزمة السودانية تعقيدًا، قال السفير حسام زكي :” 3 سنوات من الحرب تهدد تماسك الدولة ووحدة السودان، وتتطلب حلا عربيا-إفريقيا عاجلًا”. موضحًا ان السودان يحتاج إلى مليارات الدولارات حتى يقف على قدميه مرة أخرى، وقال ” انه أطلق على الحرب الداخلية في السودان “الحرب المنسية” حيث أن انفجار الأوضاع في غزة تراجع اثر على تراجع في الاهتمام بالوضع الإنساني في السودان.
وأوضح السفير حسام زكي، أن قوات الدعم السريع هي نواة القوات التي استخدمها الرئيس السوداني السابق في مواجهة التمرد في دارفور، ونأمل في الجامعة العربية أن تتوقف الأعمال العسكرية في السودان حقنا للدماء، وأن الأمين العام على تواصل بشكل مستمر مع الحكومة السودانية ومجلس السيادة، داعين الدولة السودانية الحفاظ على مؤسساتها وفي مقدمتها القوات المسلحة .
وتابع زكي : أنه بدون المؤسسات ستنهار الدولة بشكل كامل وهذا ليس في مصلحة الشعب السوداني ولا دول الجيران ومن بينهم مصر وبعض الدول الأفريقية”
كشفت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان (حكومية) عن تسجيل 1138 حالة اغتصاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب وحتى فبراير/شباط الماضي من بينها 193 حالة بحق طفلات قاصرات.
وفي هذا السياق الأرقام ترسم صورة قاتمة، حيث أعلنت لجنة الإنقاذ الدولية إن عدد الضحايا جراء الحرب وصل إلى 150 ألف شخص، وهو رقم أعلى من الحصيلة المعلنة للأمم المتحدة التي تتراوح حول 20 ألف قتيل، هذا بالإضافة الي الأرقام الصادمة لتزايد اعداد حالات الاغتصاب النساء والأطفال والتي تتم على يد قوات الدعم السريع.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة، إن النزاع المسلح في البلاد أدى إلى نزوح أكثر من 11.3 مليون شخص، واقتصاد منهار خسر 60% من قوته، وفق البنك الدولي. وحسب دراسة حديثة أعدتها جهات رسمية، فإن الدمار والخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوداني جراء الحرب يُقدر بنحو 108 مليارات دولار.
بين الأمل واليأس:
وفي مسار الدبلوماسية المستمرة والمتواصلة بلا كلل أو ملل ، أشار أبو الغيط في المؤتمر الصحفي الأخير بالجامعة العربية أن اللجنة الوزارية العربية – الإسلامية التي شكلتها قمة الرياض في نوفمبر عام 2023 لدعم غزة تعتزم القيام بجولة جديدة من الجهد الدبلوماسي خلال الأسابيع المقبلة.
وأعلن عن “المؤتمر السعودي-الفرنسي” في يونيو المقبل تحت مظلة الأمم المتحدة، متمنيًا ان يكون هذا المؤتمر “النقلة النوعية من الكلام إلى الفعل” ،معربا عن أمله بتوسع وزيادة عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين للضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين قائلا : ” لابد من الانتقال من مجال التأييد الخطابي إلى التطبيق العملي، والتجسيد الفعلي لحل الدولتين “.
في حين ذكر الصفدي الجميع خلال هذا المؤتمر الصحفي بأن “50 يوماً من منع المساعدات عن غزة تشير إلى أن العالم شريك بالصمت على جريمة عصرية”.
في القمم .. فلسطين تتصدر الأجندة:
ومن قمة القاهرة الطارئة التي عقدت الشهر الماضي، إلى القمة العربية في بغداد المقرر عقدها ١٧ مايو المقبل، والتي تحتل فيها أيضا القضية الفلسطينية الأولوية. قال فؤاد حسين وزير الخارجية العراقية في تصريحات صحفية : ” ان أجندة قمة بغداد ستكون مرتبطة بالتطورات في القضية الفلسطينية خلال الفترة المقبلة حتى انعقادها.. وهذه التطورات مرتبطة بمواقف إسرائيل والولايات المتحدة من الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة.
وتابع أن قمة بغداد ستعقد في خضم وضع سياسي غير مسبوق في المنطقة العربية، ما يفرض على القادة العرب اتخاذ خطوات فعلية لمواجهتها، وملفات تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ستكون في مقدمة أجندة عمل قمة بغداد.
وأوضح حسين أن العراق يعمل على جدول أعمال شامل يتناول أبرز القضايا العربية، بما في ذلك تعزيز التعاون الاقتصادي العربي، ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ومن جانيه قال أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة:” إن القمة العربية في بغداد ستكون لها انعكاسات إيجابية، إذ إن العراق طوى صفة الماضي ويتمتع حالياً بعلاقات إيجابية مع جميع البلدان العربية الشقيقة، وبات بلدا مستقرا سياسيا وأمنياً وهو مقبل على استثمارات مهمة بعضها يمثل فيه العرب عنصراً أساسيا كطريق التنمية الذي دخلت فيه دول قطر والإمارات وكذلك تركيا “.
وسط التحديات التي تمر بها المنطقة ، تعتبر القمة العربية في بغداد امتدادًا طبيعيًّا للجهود الدبلوماسية التي تطلقها الجامعة العربية ، فإذا نجحت في توحيد الرؤى، قد تُشكل ضغطًا غير مسبوق على المجتمع الدولي، خاصة مع اقتراب مؤتمر يونيو في الولايات المتحدة.
وفي النهاية هل يكفي لدول العالم أن تعترف بفلسطين أم ستحاسب باعتبارها شريكا بصمتها على الجرائم لإسرائيلية؟ وهل ستكون قمة بغداد المقبلة نقطة فارقه في العمل العربي المشترك أم ستقف التحديات المختلفة عائق أمام تنفيذ قرارتها ؟