بعد التقنين.. برنامج الطروحات

تناولت منذ أسبوعين فشل الحكومة فى إدارة ملف التقنين الخاص بمخالفات البناء أو التعدى على أراضى الدولة طيلة 5 سنواتٍ، واضطر رئيس الوزراء إلى مد العمل بالقانون 6 أشهرٍ أخرى. وهناك ملفٌّ آخر فشلتْ فيه الحكومة حتى الآن، وهو برنامج الطروحات الخاص بالشركات التى أعلنتْ عنها منذ 3 سنواتٍ عن بيع 32 شركةً، وهى شركاتٌ وبنوكٌ مملوكةٌ للحكومة وجهاتٍ أخرى فى الدولة.
هذا البرنامج الذى يأتى فى إطار خطة الحكومة لتوسعة دور القطاع الخاص فى الحياة الاقتصادية المصرية، وهى الخطة التى كنا نسمع عنها منذ عهد حكومة المرحوم عادل صدقى فى نهاية الثمانينات، ومع صدور قانون قطاع الأعمال العام فى مطلع التسعينات، وتم خلاله بيع شركاتٍ لها أصولٌ بالمليارات بثمنٍ بخسٍ، واستفاد من البيع عددٌ محددٌ من رجال الأعمال فى مصر وقتها، ولكن نسبة الحكومة تزيد فى السيطرة على الحياة الاقتصادية مع مرور السنوات.
والحكومة طرحتْ وفق شروط صندوق النقد فى 2022 برنامج الطروحات أو بيع 32 شركةً مملوكةً للدولة، منها بنوكٌ وشركاتٌ مملوكةٌ للقوات المسلحة، وتم الاستعانة بهيئاتٍ دوليةٍ لتقييم الشركات واستشاريين، وهؤلاء حصلوا على أتعابهم بالدولار الذى نعانى من شحه بالطبع، وقدموا تقاريرهم وتوصياتهم وثمنوا الشركات، لكن الحكومة صمتتْ عن كل هذا.
وكلما سألت الهيئات المالية الدولية (صندوق النقد الدولى والبنك الدولي) عن مصير البرنامج، يخرج علينا رئيس الوزراء بتصريحاتٍ أن البرنامج قائمٌ وأن الشركات معروضةٌ للبيع عبر مستثمرٍ رئيسى أو المشاركة أو طرح الأسهم بالبورصة، ولأنّ العام الحالى هو العام الأخير فى المرحلة الأولى من البرنامج المعلن، لم يتم بيع إلا المصرف المتحد منذ إعلان البرنامج.
الحكومة حددتْ عام 2025 مع مؤسسة التمويل الدولية (المقيم للمشروع) الانتهاء من بيع الشركات والبنوك المدرجة لمستثمرين أجانب وبالدولار، إلا أن حتى الآن والعام أوشك على الانتصاف لم يتم شيءٌ على أرض الواقع، وأعتقد أن التحديات والقوى الرافضة لفكرة الخصخصة والمؤيدة لفكرة احتكار الدولة لبعض السلع والمستفيدين من الوضع الحالى يعرقلون عملية البيع وفق الشروط التى وضعتها مؤسسة التمويل الدولية التى تعاقدتْ معها الحكومة لتكون استشارى البرنامج.
الحكومة فشلتْ فى مشروعين كان بإمكانهما أن يدرا مليارات الجنيهات، وهو مشروع التصالح فى مخالفات البناء وتقنين الأوضاع، ومليارات الدولارات فى طرح 32 شركةً فى برنامج الاستثمارات، فلو كانتْ جادةً لما لجأت الدولة إلى الاقتراض الداخلى والخارجى، ولما لجأتْ إلى فرض رسومٍ وضرائب جديدةٍ.
القضية أن الروتين والإجراءات وغياب الشفافية فى بعض البيانات المالية للشركات الحكومية والتقلبات الاقتصادية التى تؤثر على القيمة السوقية والضغوط السياسية التى قد تؤثر على القرارات وتدخل جهاتٍ ليس لها دورٌ حقيقى فى البرنامجين وضعف الأداء الحكومى والصراع بين الوزارات المسئولة وغياب الرقابة البرلمانية وراء إهدار الوقت والمال فى هذين البرنامجين.
وعندما طالبت رئيس الحكومة منذ أسبوعين أن يكشف عن عدد الطلبات التى تم التصالح فيها فى ملف التقنين وعدد الطلبات التى تم تقديمها على مستوى الجمهورية، فهو مطالبٌ بأن تصدر بيانًا واضحًا وبمنتهى الشفافية حول أين وصلنا فى برنامج الطروحات وما هى الجهات وأسباب التعطل وهل سيتم تنفيذ مرحلته الأولى فى الشهور السبعة القادمة أم سوف يصدر قرارٌ بمده مثلما حدث فى موضوع التقنين؟