دراس القمح بالبحيرة.. رحلة الحبة من السنابل إلى حبوب صالحة للطحن والاستهلاك

شهدت قرية سيدي عقبة بمركز المحمودية بمحافظة البحيرة، بدء موسم حصاد ودراس محصول القمح، وسط فرحة و سعادة كبيرة بين المزارعين.
الحقل اللون الذهبي
مع أواخر شهر أبريل وبداية مايو من كل عام، تتحول الأراضي الزراعية بقرى ومراكز محافظة البحيرة إلى لوحة فنية تنبض بالحياة، حيث يتلون الحقل باللون الذهبي، وتصدح آلات الحصاد بألحان العمل والمثابرة.
في مشهد سنوي متجدد يحمل معه ملامح الخير والبركة، انطلقت في قرى ومراكز محافظة البحيرة فعاليات موسم حصاد القمح، تلك المحصول الاستراتيجي الذي يعد أحد أعمدة الأمن الغذائي المصري، فهو واحدا من أقدم وأهم المحاصيل الزراعية التي عرفها الإنسان، وقد لعب دورا محوريا في تشكيل الحضارات القديمة واستقرار المجتمعات.
ومن بين مراحل زراعة القمح، تحتل مرحلة دراستها مكانة مميزة، كونها تجسد لحظة حصاد الجهد، وجني الثمرة بعد شهور من العمل الدؤوب في الحقول، حيث يعد دراس القمح واحدا من أقدم وأهم الطقوس الزراعية في حياة الفلاح المصري، لا سيما في موسم الحصاد الذي يمثل ذروة الجهد وموعد جني ثمرة الكفاح السنوي.
التقت عدسة “تواصل”، بالمزارعين فى محافظة البحيرة لكى تتعرف على دراس القمح والأجهزة المستخدمة التى تقوم بدراس القمح.
فى بداية اللقاء أكد المزارعين بمحافظة البحيرة لـ”تواصل”، أن دراس القمح هو العملية التي يتم من خلالها فصل حبوب القمح عن سنابلها، بعد حصادها، ويعد هذا الفصل خطوة حيوية لتحويل السنابل الذهبية إلى حبوب صالحة للطحن والاستهلاك، وتعرف هذه العملية في الريف المصري والبلاد العربية بهذا الاسم التقليدي، الذي ارتبط بالذاكرة الزراعية والطقوس الموسمية للفلاحين، حيث تبدأ رحلة الدراس بعد أن يجف القمح في الحقول ويحين موعد الحصاد.
وعلى الرغم من التطور التكنولوجي فى الآلات الزراعية، ما زال مشهد دراس القمح، سواء اليدوي أو باستخدام الماكينات الحديثة، يحمل طابعا تراثيا يعكس عبقرية الإنسان في التعامل مع الأرض.
قال الحاج جمعه غانم يعمل مزارع لـ”تواصل”، إن دراس القمح هى المرحلة التي تلي الحصاد مباشرة، حيث يُفصل الحب “حبوب القمح” عن السنابل والقش.
وأشار جمعه غانم ،أن الفلاح كان قديما يستخدم المنجل لحصاد السنابل يدويا، ثم يجمعها في أكوام تُعرف باسم الغمر، ويتركها لبضعة أيام لتجف تحت أشعة الشمس ،ثم يستخدم النورج تسحبه المواشي و تقوم بدراس القمح وتفصل الحبه عن القش .
وأضاف جمعه بأن الفلاح مازال يستخدم المنجل لحصاد القمح ،ومع مرور الزمن، تطورت أدوات الفلاح، فظهرت آلات الدراس اليدوية، ثم تطورت إلى دراسات ميكانيكية ضخمة، بالإضافة إلى استخدام ماكينات حديثة تقوم بحصاد القمح فى وقت قصير.
و مع تطور الميكنة الزراعية، أصبحت عملية الدراس أسرع وأدق، ما ساهم في تقليل الفاقد وتحسين جودة الحبوب، ولم يعد الفلاح بحاجة إلى انتظار الرياح أو استخدام الحيوانات، بل أصبح في إمكانه إنجاز العمل في ساعات معدودة باستخدام آلات حديثة.
وأكمل جمعه حديثه مع تواصل بأن سنابل القمح تتجمع في مكان يسمى الجرن، ثم تستخدم ماكينات ضخمة تقوم ببلع السنابل وفصل الحبوب وقذفها في جهة، بينما يُجمع التبن (القش الناعم) في جهة أخرى، وفي كلا الحالتين، يستخدم الغربال أو الشربة لتنقية القمح من الشوائب، ويعبأ بعد ذلك في أجولة من الخيش أو البلاستيك، و بعد الدراس، تأتي مرحلة التذرية ، حيث يتم فصل الحبوب النظيفة عن القش والتبن، قديمًا، كان الفلاح يستخدم الغربال أو يعتمد على هبوب الرياح، فيرفع المزيج عاليًا فتتطاير القشور وتبقى الحبوب الثقيلة، أما اليوم، فهناك آلات حديثة تعتمد على الهواء والاهتزاز لتنظيف الحبوب بكفاءة أعلى.
وأعرب الحاج جمعه عن سعادته هو وأسرته واحفاده الذين تواجدوا سواء سيدات أو رجال أو شباب أو أطفال ليساعدوا بعضهم البعض فى الحصاد.
و أكد صلاح عوض، أحد المزارعين، أن لحصاد القمح استعدادات خاصة تشمل جمع العمالة، وتجهيز المعدات اللازمة من تأجير ماكينات الدراس، وتحضير الأجولة والمفروشات الخاصة بتعبئة وفرز المحصول، وأوضح أن التبن الناتج عن عملية الدراس يُستخدم لاحقًا كعلف للمواشي.
وفي سياق متصل، قال عماد جمعة، وهو مزارع آخر، إنه يعتمد خلال موسم الحصاد على التعاون مع جيرانه، من خلال تنظيم أدوار بينهم لتبادل المساعدة في الحصاد والدراس دون الحاجة إلى استئجار عمالة إضافيةإضافية، وأشار إلى أن إنتاج القمح هذا الموسم أفضل بكثير مقارنة بالعام الماضي.
ولفت عماد إلى أن زراعة القمح هذا العام كانت ناجحة بكل المقاييس، ما يعود بالفائدة الأولى على المزارع تتضمن زيادة الإنتاج عن كل عام، وتقليل استهلاك مياه الري، لا سيما أن القمح من المحاصيل الشتوية الرئيسية، إلى جانب البرسيم والفول.
واختتم عماد جمعة حديثه لـ”تواصل” قائلا : أن مرحلة دراس القمح واحدة من أجمل صور العلاقة بين الإنسان والأرض، حيث يجني الفلاح ثمرة كفاحه، ويحول السنابل الذهبية إلى غذاء، فهي لحظة انتصار للحبة التي بدأت بذرة صغيرة، وانتهت حبة مباركة في صوامع الغلال.
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٧_٢٠٣٩١٣
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٧_٢٠٣٩٥٤
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٦_٢١٣٩٢٦
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٧_٢٠٤١٥٤
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٧_٢٠٣٩٠٢
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٧_٢٠٣٨٤٣
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٦_٢١٤٠٢٠
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٦_٢١٣٩٣٥
IMG_٢٠٢٥٠٤٢٧_٢٠٣٩٢٢