معنى ابتلاء اليتامى في قوله: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾

اليتامى .. قالت دار الإفتاء المصرية إن المراد من قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: 6]، هو تدريب اليتامى وامتحانهم بما يُحَقِّقُ صلاحهم في أمور دينهم ودنياهم؛ وذلك بتدريبهم على التزام العبادات، وأداء الواجبات، والتخلق بالآداب ومحاسن الصفات والأخلاق الحسنة، وكذلك تدريبهم على ما عليه صلاح حياتهم ومعاشهم، كُلٌّ على حسب حاله.
ابتلاء اليتامى:
وأوضحت الإفتاء أن الشرع الشريف أمر بابتلاء اليتامى واختبارهم وتدريبهم؛ حتى يُتحقق من تمام رُشْدِهِم وصلاحهم، فقال تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ [النساء: 6]، ولا يخفى أنَّ هذا الاختبار إنَّما يكون من ماله الذي هو أمانة في يد كافله، بضميمة قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: 6].
قال الإمام الماتريدي في “تفسيره” (3/ 22، ط. دار الكتب العلمية): [أن يَبْتَلي عقولهم بشيء من أموالهم يتَّجِرون بها، ويتقلبون فيها؛ لينظروا: هل يقدرون على حفظ أموالهم عند حدوث الحوادث والنوائب؟ ففيه دليل جواز الإذن في التجارة في حال الصغر؛ لأنه لا يظهر ذلك إلا بالتجارة] اهـ.
وإذا كان الشرع قد نهى عن قرب مال اليتامى إلا بأحسن الوجوه في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: 152]، ولم يجوِّز التعامل في ماله إلا بالمنفعة المحضة له، ثم أباح لوليّه الصرف منه على امتحانه وتدريبه وتأهيله حتى يتحقق الرشد منه، فإنَّ هذا دليلٌ على أنَّ تدريبه وتأهيله هو من تمام كفالته، ومن الوجوه التي يصحّ أن يصرف فيها ماله إن كان صاحب مال، فإن كان فقيرًا كان صرف الزكاة على تدريبه وتأهيله أمرًا مشروعًا لتحقيق إحسان كفالته المأمور به شرعًا.
وأكدت دار الإفتاء أن تدريبُ اليتامى وامتحانهم إنما يكون بما فيه صلاحهم في أمور دينهم ودنياهم، قال الإمام الطبري في “تفسيره” (7/ 574، ط. مؤسسة الرسالة): [﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ واختبروا عقول يتاماكم في أفهامهم، وصلاحهم في أديانهم، وإصلاحهم أموالهم] اهـ.
اليتامى:
فأمَّا اختبارهم في أمور دينهم فيكون بتدريبهم على التزام العبادات، وأداء الواجبات، والتخلق بالآداب ومحاسن الصفات والأخلاق الحسنة من صدق، وأمانة، وعفة، وغير ذلك؛ أسوة بما أُمِرَ به الآباءُ من تدريب أولادهم على الصلاة.
قال الإمام الماتريدي في “تفسيره” (3/ 21-22): [تأويله: وابتلوا اليتامى إذا بلغوا النكاح؛ وهو قول الشافعي، يجعل الابتلاء بعد البلوغ.
ويحتمل أن يكون المراد بالابتلاء قبل البلوغ؛ لوجهين:
أحدهما: أن يُبتَلى اليتامى قبل بلوغهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها ويتأدبوا، ليعرفوا حقوق الأموال وقدرها ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنهم إذا ابتُلُوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم من العبادات والفرائض وقت البلوغ، وكان في ذلك تضييعُ حقوق الله وفرائضه؛ إذ لا سبيل لهم إلى القيام بها حتى البلوغ، فأمر الأولياء والأوصياء أن يبتلوهم قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا بلغوا عارفين لما عليهم من العبادات والحقوق، حافظين لها.. وإذا لم يُعَوَّدُوا قبل ذلك يشتدّ عليهم القيام بإقامة العبادات وأداء الحقوق؛ فعلى ذلك الأول] اهـ.
وأما في أمور دنياهم فيكون بتدريبهم على ما عليه صلاح حياتهم ومعاشهم، كُلٌّ على حسب حاله، فإن كانوا ذكورًا فيكون بتدريبهم على ما به قوام الرجال من أمور البيع والشراء، وعقد العقود، ودفع الأجور، وذلك في اليسير من الأموال على جهة الاختبار والتدريب فقط، وإن كانوا إناثًا فيكون تدريبهن على ما به قوام النساء من رعاية حقوق الأزواج وتربية الأولاد ورعاية البيت وتدبير شؤونه، وما تحتاج إليه في حياتها من أمور تختص بالنساء.
قال الإمام الشافعي في “تفسيره” (2/ 525، ط. دار التدميرية): [إنما يعرف إصلاح المال بأن: يختبر اليتيم، والاختبار يختلف بقدر حال المختَبَر] اهـ.