السرد والقصيدة بطلان يمتزجان ببيت الشعر

قالها قديما أبوفراس الحمداني: “الشعر ديوان العرب”، حتى صارت مضربا للمثل، واليوم تأتينا محملة بمعنى أكثر رحابة واكتشافا، فالجملة دليل على وجود الشعر القصصي والتوثيقي والحكائي، ذلك الشعر الممزوج بروح السرد، لا المنفصل عنه.
وإن كنا نؤمن حقا بأن الشعر ديوان العرب، فإن السرد حكاية العالم التي لا تنتهي، وكلاهما- السرد والشعر- جناحا طائر الفن، الذي لا يمكنه التحليق بأحدهما منفردا؛ لذا فقد نراهما متوازيين أو متقاطعين، فتلك قصة شاعرة وذاك شعر قصصي، وهذا أديب يحمله سرده عبق الشعر، وذاك شاعر يعشق السرد، ويتبدى جليا عبر سطوره الشاعرة. فهي إذن دائرة متصلة من الإبداع الذي لا ينفصل، سرد، شعر، والرابح بينهما هو المتلقي، الذي يشعر بالمتعة متى حملها لون أدبي.
ومن هذا المنطلق، وإيمانا منه بأهمية كلا اللونين، استضاف بيت الشعر العربي، برئاسة الشاعر سامح محجوب، ندوة “روح الشعر بين القصيدة والسرد.. ليلة في محبة “يحيى الطاهر عبدالله””، أدارتها الإعلامية ماجدة القاضي، وتحدث فيها نخبة من الكُتّاب والشعراء، الروائيون “إبراهيم عبد المجيد”، “أحمد صبري أبو الفتوح،”، “محمد بركة”، والشعراء “عاطف عبد العزيز”، “خالد محمود”، “عاطف عبد المجيد”.
واستهل الكاتب الكبير ابراهيم عبدالمجيد، مفتتح الندوة مؤكدا أن السرد والشعر متلازمان، فالرواية الحقة هي التي تستهدف الشعر، ليس باللغة، وإنما يكون بناء الشعر بالرواية، ويتضح ذلك من خلال أثر المكان على الشخصيات، وتناسق الحوار مع الزمن، وتعدد اللغة الحكي.
مضيفا أن يحيى الطاهر عبدالله كان يحمل روح الشعر داخله، فقد كان يحفظ القصة كأنها قصيدة، يلقيها ولا يحكيها.
وعن تلاقي الشعر بالسرد في أدب إبراهيم عبدالمجيد، يقول إنه يحاول التجديد في الرواية الحديثة، فرواية “في كل أسبوع يوم جمعة”، تضم ٢٥ شخصية لكل منها لغة حوار، وهو في حد ذاته تلاقي مع روح الشعر.
متابعا أنه قد كتب بعض رواياته وقصص قصيرة في لحظات شعرية خاصة، بينما تحتوي بعض الروايات شعراء مثل رواية “طيور العنبر”، حيث يلقي الشاعر قصيدة هي من تأليف الكاتب.
ثم راح عبدالمجيد يذكر أمثلة لكتابته الشعر في روايات ومجموعات قصصية أخرى، مثل قصيدة ما لم تقرأه يارا من شعر نادر، في رواية “غواية الإسكندرية”، والتي تحمل جملا شعرية واضحة، مثل قوله:
إذا أحب الله رجلا وضع في طريقه امرأة تحبه..
لا تكتمل قصة الحب إلا بموت المحبين..
فيما تحدث الكاتب أحمد صبري أبو الفتوح عن علاقته بحيي الطاهر عبدالله، حيث وصفها بالعميقة، وكيف تعرف إليه عندما كان هو وكيل نيابة السيدة زينب وكان الطاهر يقطن حي السيدة زينب.
مؤكدا أنه لابد للكاتب أن يمر بحالة شعرية وهو يكتب.
ثم عرج على الحديث عن علاقته بالشعر، وكيف أنه بدأها ببيتين عندما كان تلميذا، ثم استهواه القص، قائلا إنه لا يشعر انه شاعر إلا وهو يكتب، عندما يكون الحب والخوف والصراع والموت واليأس دوافع للكتابة.
منتقلا بحديثه عن روايته “حكايات من جنازة بوتشي”، وبوتشي هي كلبة تربيها سيدة إنجليزية، وتبدأ الرواية بصلاة طقوس دفن الكلبة، فالسيدة تصلي وهي تدفن الكلبة، بترديد صلاتها التي هي عبارة عن أبيات شعرية.
ثم تحدث عن روايته “بريسكال”، وهو اسم بدوي، فتاة فقيرة حاولت أن تتحقق ففشلت فسخرت من الجميع وجعلت من أبيها وليا يسكن الربوة ويزوره الجميع.
وهنا ألقى بعض أبيات تصف هذا المشهد عندما وقفت بريسكال حارسة لمقام أبيها ساخرة من كل أهل البلدة.
أما روايته “تاريخ آخر للحزن”، فبطل الرواية منجي عبدالباسط، يكتب في حبه لابنة عمه كاميليا، نصا شعريا.. يقول أحد سطوره:
سأقول لمن يسألني إن الحياة على قسوتها فيها كاميليا.
وفي رواية “طائر الشوك، يصف الكاتب مشهد إعدام البطلة في أسلوب شعري مؤثر.
فيما تحدث الكاتب الروائي محمد بركة، مؤكدا حبه وولعه بالشعر، وكيف أنه يفضله على السرد، فرغم أنه روائي وقاص إلا أنه قد يمل قراءة الروايات، ولا يمل الشعر.
مضيفا أنه يحب الشعر بشكل خاص، فالسرد لا يحتاج لاحتوائه على لغة شعرية مباشرة لكن يحتوي على روح الشعر، وهذا يضمن للسرد الاختلاف والخلود، وكلما كان السرد وظيفيا ومباشرا فلن يكتب له التميز والبقاء.
ثم قرأ بركة مقدمة رواية “حانة الست”، حيث تحكي أم كلثوم حكايتها غير الرسمية.. وهو نص يحمل كثيرا من روح الشعر وكأنه قصيدة منثورة.
ثم يتابع بركة أنه في روايته الأخيرة “مهنة سرية”، قد قدم تعريفا للشعر لم يقدمه الشعراء أنفسهم، ففيها يحكي البطل قصته للصحفية، بأسلوب شعري.
وقرأ بركة بعضا من تلك الأسئلة:
سألتني وما السر؟ قلت زهرة سوداء نربيها في غرفة معتمة.
سألتني وما الشعر؟ قلت أقدم محاولات البشر لمخاطبة الآلهة.
سألتني وما الإنسان؟ قلت خطيئة الكون الأجمل.
ثم انتقلت الندوة لاستعراض الشعر الذي يحمل روح السرد، فألقى الشعراء نصوصا شعرية مشبعة بروح السرد.
في البداية قرأ الشاعر عاطف عبدالعزيز، نصين يتقاطعان مع روح النثر والسرد، أحدهما بعنوان “سأم القاهرة”، عبارة عن ٩ فقرات مرقمة.
بينما ألقى الشاعر خالد محمود ثلاثة نصوص بالعامية، تسرد مواقف في أسلوب قصصي وصفي، هي:
قصيدة ” الغُسل”، استحضر خلالها الشاعر حالة غسل أمه قبل وفاتها بشهور، وقصيدة “سور الجامعة”، قصيدة “غرقان سكوت”، والتي كتبت بعد سقوط بغداد.
بينما قال الشاعر عاطف عبدالمجيد، إنه يشعر بالفخر وهو يسمع الساردين يعظمون من قيمة الشعر، ثم قرأ قصيدة “عادي جدا”، وقصيدة “ماذا ستمنحك القصيدة”، وقصيدة “قد لا اكون”، وقصيدة “شيء يلازمني”.
واختتم الشاعر سامح محجوب الأمسية، مؤكدا أن الشعر العربي ثقافة تتسع لتقبل كل الفنون على مائدته، مضيفا أنه كان يحلم منذ تقلد ادارة بيت الشعر، ألا يكون الشعر فقط بطلا للمنصة، وانتهى بشكر كل الحضور اسما اسما.














