علي جمعة: التكرار يرسّخ القيم في النفوس ويقاوم ظاهرة الكذب

علي جمعة: التكرار يرسّخ القيم في النفوس ويقاوم ظاهرة الكذب

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، أهمية تكرار التذكير بالقيم الأخلاقية حتى وإن بدت للوهلة الأولى من الأمور البديهية، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].

وأوضح جمعة، في حديث له، أن هناك قصة مأثورة تُبرز أثر التكرار في تثبيت القيم: حيث ظل أحد الخطباء لأسابيع متتالية يكرّر خطبته حول الصدق والتحذير من الكذب، حتى ملّ الناس وطلبوا منه التغيير.

 لكنه أجابهم بحكمة: “وهل تركتم الكذب حتى أترك أنا النهي عنه؟!”، مشيرًا إلى أن تكرار النصح يُرسخ الفضائل وينفّر من الرذائل.

وأشار  جمعة إلى أن هذا المبدأ له أساس علمي، إذ يعرف في علم النفس بـ”قانون التكرار”، الذي تعتمد عليه أساليب الإعلان والدعاية تحت ما يسمى بـ”التعرض التراكمي”، مما يدل على فعالية التكرار في تشكيل السلوك الإنساني.

وأضاف أن القرآن الكريم لم يغفل دراسة ظاهرة المعصية وأساليب مقاومتها، حيث دعا إلى التأمل في الكذب وأسبابه، مثلما جاء في قوله تعالى في سورة النساء: {انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 50]، موضحًا أن “النظر” هنا يشمل التأمل العقلي لا مجرد الرؤية البصرية.

وفي إطار بحثه لظاهرة الكذب، أوضح علي جمعة أن دراسة هذه الآفة ينبغي أن تشمل تحليل واقعها وأسبابها ودوافعها، وكيفية مقاومتها، وأنواعها، وآثارها على الفرد والمجتمع. كما دعا إلى تناول الظاهرة عبر مجالات متعددة، مثل السياسة والاقتصاد والإعلام والعلاقات الدولية.

وبيّن جمعة أن العلماء المسلمين اهتموا بتعريف الكذب وبيان حقيقته، مشيرًا إلى وجود ثلاثة مذاهب رئيسية:

الأول: يعرف الكذب بأنه مخالفة الواقع.

الثاني: يعرفه بأنه مخالفة الاعتقاد القائم في نفس المتكلم.

الثالث: يجمع بين مخالفة الواقع ومخالفة الاعتقاد.

وأوضح أن كل مذهب من هذه المذاهب يواجه إشكالية معينة، مشيرًا إلى أن قريش كانت تطلق الكذب على الخطأ غير المقصود، واستدل على ذلك بما حدث مع الصحابي سعد بن عبادة خلال فتح مكة، حين قال: “اليوم يوم الملحمة”، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “كذب سعد”، أي أخطأ في التعبير.

وأكد جمعة في ختام حديثه أن الاهتمام بدراسة الكذب وفهم جذوره يعد من الوسائل الفعالة للحد من انتشاره، داعيًا إلى استمرار التذكير بالقيم الأخلاقية حفاظًا على تماسك المجتمعات.