أوامر الرئيس «اليانكي»!

بات العالم يعرف أن «البجاحة» وفقدان أدوات السياسة أهم السمات التي يتميز بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع إضافة الكثير من «بهارات» عدم احترام سيادة الدول وانتهاك القانون الدولي، ولا مانع من إضافة المزيد من «توابل» عمليات التهجير والإبادة، لنصل إلى «الطبخة الترامبية» برائحتها العفنة المبنية على صيغة الأمر واجبة النفاذ والتنفيذ!
تلك «الطبخة الترامبية» ليست بجديدة أو مستحدثة على الرئيس الأمريكي السابع والأربعين، ففي 2 سبتمبر 1987 اشترى رجل الأعمال «دونالد ترامب» إعلانات على صفحة كاملة في ثلاث صحف أميركية كبرى، بتكلفة إجمالية بلغت 94801 دولار، لنشر رسالة مفتوحة من «ترامب» إلى الشعب الأمريكي يتساءل فيها: لماذا لا تدفع الدول التي تقوم الولايات المتحدة بحمايتها وحماية مصالحها، ثمن أرواح البشر ومليارات الدولارات التي تخسرها أمريكا؟ وذكر اليابان ومنطقة الخليج، وقال: يسخر العالم من ساسة أمريكا، بينما نحمي سفنًا لا نملكها، تحمل نفطًا لا نحتاجه، متجهة إلى حلفاء يرفضون المساعدة.
ثم يؤكد في تلك الرسالة هوية «الطبخة الترامبية» وحلها السحري ويقول: لقد حان الوقت لننهي عجزنا المالي الهائل بإجبار اليابان، وغيرها من الدول القادرة على تحمله، فلنجعل اليابان والمملكة العربية السعودية وغيرهما يدفعون ثمن الحماية التي نقدمها كحلفاء، فلنساعد مزارعينا ومرضانا ومشردينا بأخذ جزء من أعظم الآلات ربحًا على الإطلاق – آلات صنعناها ورعيناها بأنفسنا.
لتصل «الطبخة الترامبية» إلى ذروة وضوحها في صيغة الأمر: «افرِضوا الضرائبَ على هذه الدولِ الغنيةِ، لا على أمريكا، أنهوا عجزَنا الماليَّ الهائلَ، وخفِّضوا ضرائبَنا، ودعوا اقتصادَ أمريكا ينمو دون أن يُثقَلَ كاهلُهُ تكلفةَ الدفاعِ عن أولئكَ الذين يستطيعونَ بسهولةٍ دفعَ ثمنِ دفاعِهم عن حريتِهم، دعونا لا نسمحُ لبلدِنا العظيمِ أن يُسخرَ منهُ بعدَ الآنِ».
رسالة ترامب المفتوحة للشعب الأمريكي منذ عقود لم تتغير ولن تتغير، رئيس بدرجة قرصان، فتوة يجمع الجباية ممن يظنهم «حرافيش»، إتاوات يريد فرضها على الحلفاء، كل ذلك من أجل الاقتصاد الأمريكي، والمواطن الأمريكي، والمتشرد الأمريكي، والمريض الأمريكي، والمزارع الأمريكي، أما الآخرون، فيجب أن يخضعوا لأوامر «اليانكي» الجديد! (تطلق كلمة يانكي كناية عن سكان الولايات المتحدة الأمريكية بمظهرهم الاستعماري تجاه الشعوب الأخرى).
إذن لا يوجد مجال للدهشة من تصريحات ترامب المتسلطة على سيادة الدول، بداية من التحرش بكندا واعتبارها الولاية رقم 51 الأمريكية، أو ضم جزيرة «جرين لاند»، ثم محاولات الابتزاز والجباية لإنعاش خزينة «اليانكي»، وأخيرًا تصريحاته المتعلقة بقناتي «بنما والسويس».. والأقواس مفتوحة في انتظار الجديد!
مجال الدهشة الحقيقي هو تأخر الرد الرسمي المصري على تلك التصريحات، التي طالب فيها «ترامب» بأن تتمكن السفن العسكرية والتجارية الأميركية من المرور عبر قناة السويس، دون دفع أي رسوم، والسؤال: لماذا لم نفعل ما فعله رئيس بنما، بالرد الفوري على تلك التصريحات «المفضوحة»، وهذا أضعف الإيمان؟!
الخلاصة أننا في احتياج شديد إلى تبني ما جاء في رسالة استقالة وزيرة المالية الكندية «كريستيا فريلاند» العام الماضي، بعد خلافها مع رئيس الوزراء جاستن ترودو، حول التعامل مع تصريحات ترامب وابتزاز كندا، ووضعه أمام أعيننا، تقول «كريستيا فريلاند» في خطاب استقالتها: «إن بلادنا تواجه اليوم تحديًا خطيرًا، فالإدارة الجديدة في الولايات المتحدة تنتهج سياسة قومية اقتصادية عدوانية.. إننا في احتياج إلى التعامل مع هذا التهديد بجدية بالغة.. وهذا يعني تجنب الحيل السياسية المكلفة، والتي لا نستطيع تحملها، والتي تجعل الكنديين يشككون في أننا ندرك خطورة اللحظة.. ولا شك أن وقتنا في الحكومة سوف ينتهي، ولكن الكيفية التي نتعامل بها مع التهديد الذي تواجهه بلادنا حاليًا سوف تحدد هويتنا لجيل كامل، وربما لفترة أطول».
في النهاية: «الطبخة الترامبية» كتاب مفتوح مثل «طبق اليوم»، يمكن قراءته بسهولة، لكن الأهم من ذلك، سرعة الرد الرسمي، وكيفية التعامل بجدية مع تهديدات «اليانكي» الجديد وأوامره «المفضوحة».
حفظ الله مصر من كل سوء.
[email protected]