جمعة يحذر من أشخاص تتصدر الفتوى بغير علم

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن الأمة الإسلامية قد ابتُليت في عصورها المتأخرة بظهور أشخاص يتصدرون للفتوى في دين الله دون أن يمتلكوا العلم الكافي أو الإلمام بأسس الفهم الشرعي، هؤلاء الأشخاص يخوضون في مسائل كبيرة تتعلق بأحكام الشريعة دون أن يكون لديهم الكفاءة أو الأدوات التي تؤهلهم لذلك، وهو ما يهدد استقرار الدين والمجتمع.
الفتاوى الشاذة
وأكد الدكتور علي جمعة أن الخروج عن الجماعة العلمية المعتبرة يشكل خطرًا على الدين، مشيرًا إلى حديث رسول الله ﷺ الذي حذر فيه من الشذوذ في الرأي، قائلاً: “فعليكم بالسواد الأعظم”، و”من شذ شذ في النار” (رواه ابن ماجه). فالجماعة العلمية ليست مجرد اجتماع للأشخاص، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الأمة في فهم دينها وتطبيقه بشكل صحيح.
الشذوذ العلمي: خطر على الأمة
الشذوذ عن الجماعة العلمية يظهر في الحالة التي يتصدر فيها من لا يمتلك المؤهلات اللازمة للفتوى أو الاجتهاد، حدد جمعة مجموعة من النقاط التي يجب على المفتي أن يكون قد توافر فيها قبل أن يتصدى للإفتاء:
فهم النصوص الشرعية وقدرتها على التفرقة بين ما هو قطعي وما هو ظني.الإلمام بالواقع المعيش بكل تعقيداته وتغيراته.مراعاة المصالح الشرعية، والمقاصد الكلية، والمآلات المستقبلية للأقوال والأفعال.إتقان اللغة العربية وفهمها بشكل عميق.
وأشار إلى أن المفتي الذي يجهل هذه الأساسيات يمكن أن يؤدي إلى إحداث فتنة كبيرة تهدد الأمن المجتمعي والديني على حد سواء، ويعطل الاستقرار الاجتماعي.
المفتي الماجن: من أشد الأخطار
أوضح الدكتور علي جمعة أن علماء الأصول قد نبهوا إلى صنف من المفتين سمّوه “المفتي الماجن”، وهو الذي لا يبالي بالقواعد العلمية في الفتوى، ويخرج عن إجماع الأمة ولا يعير اهتمامًا للمصالح العامة أو المقاصد الشرعية. هذا النوع من المفتي أشد خطرًا من الجاهل العادي، لأنه يلبس على الناس أمر دينهم، ويعطي آراء تهدم الأسس الشرعية.
الفرق بين الفقه والإفتاء
كما بين جمعة الفرق الواضح بين الفقه والإفتاء:
الفقه هو تحصيل المسائل العلمية من نصوص الكتاب والسنة، أما الإفتاء فهو تطبيق الأحكام على الواقع المعاصر، مع فهم النصوص وفهم الواقع وتطبيقهما معًا بشكل دقيق.
وأوضح أن الإفتاء يتطلب ثلاثة أركان أساسية:
1. إدراك النصوص الشرعية.
2. إدراك الواقع ومعرفة تفاصيله.
3. ربط النصوص بالواقع وفقًا لقواعد الاجتهاد.
تاريخ الفتن في الفتوى
الدكتور علي جمعة أشار أيضًا إلى أن ما نراه اليوم من فتن في الفتاوى الشاذة ليس أمرًا جديدًا، فقد ظهرت فتن مشابهة في تاريخ الأمة الإسلامية مثل ظهور محمد أبو زيد الدمنهوري في عام 1930، الذي أنكر المعجزات وحرف في مسائل دينية أساسية، وناقشها علماء الأزهر في ردود قوية. وكذلك محمد نجيب الذي أنكر السنة النبوية، حتى ارتد عن الإسلام في نهاية المطاف.
وقد تتابعت الفتن بعدهم مثل إباحة التدخين في رمضان، وتجاوزات أخرى في مجال الشريعة، ولكن كان دائمًا في الوقت نفسه ظهور علماء صدق تصدوا لهذه الفتن وذبوا عن الدين.
العودة إلى الجماعة العلمية: الطريق إلى النجاة
وفي ختام حديثة، دعا الدكتور علي جمعة الأمة الإسلامية إلى العودة إلى الجماعة العلمية والتمسك بضوابط الشريعة وأصولها. مؤكداً أن الطريق الوحيد للنجاة هو الالتزام بالعلم الشرعي الصحيح والتأدب بأدب العلم، بعيدًا عن الشذوذ الفكري والفتاوى التي تؤدي إلى ضياع الدين والدنيا معًا.