شيوخى وأساتذتى (١)

يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «لم يشكر الله من لم يشكر الناس»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُتِيَ إليهِ معروفٌ فلِيُكافئْ بهِ، ومَنْ لمْ يستطعْ فلْيذكرْهُ، فإنَّ مَنْ ذكرَهُ فقد شكرَهُ»، وفى رواية الطبرانى: «ومن كتمه فقد كفره»، أى جحده ولم يُوفِ شكره.
وبما أننا لا نستطيع أن نُوفيَ كلَّ من أولانا جميلًا حقَّه أو حتى بعضَ حقِّه، حيث يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ»، فإننا نذكر الفضلَ لأهله لعلَّ أن يكون فى ذكره بعضُ شكرهم، ومعذرةً عن تقصيرنا فى حقهم.
وبدايةً أؤكد أنى كنت محظوظًا فى شيوخى وأساتذتى، فقد كانوا أهلَ فضلٍ عليَّ وكرمٍ شديدٍ معى، لم يبخل أحدٌ منهم عليَّ بجهدٍ أو وقتٍ أو نصيحةٍ أو بسطةِ وجهٍ، ولم أجد فى واحدٍ منهم على الإطلاق انشغالًا بالجانب المادى أو المالى ولا أزكى على الله أحدًا، لقد كانوا نعمَ الأساتذةِ ونعمَ المربين، كان أكثرهم لى ما بين والدٍ وأخٍ أكبر.
وبما أن مراحل الطلب الأولى تنطبع فى الذهن انطباعًا لا يمحو أثره عواملُ الزمن مهما كانت شواغلها أو طال أمدها فإننى أبدأ بخطواتى التعليمية الأولى حيث كُتَّابُ القريةِ، بل كتاتيبُ القريةِ العامرةِ قريةِ صفط راشين من أعمال مركز ببا محافظة بنى سويف، تلك القريةِ العظيمةِ المعنيةِ وأهلِها بالقرآن الكريم وحفظِهِ، فقد وُلدت ونشأت بفضل الله وحمده فى هذه القرية التى كان ولا يزال شاغلُ أهلِها الشاغلُ التعليمَ الأزهريَّ حتى أن صار بها والحمدُ معاهدُ أزهريةٌ لجميع مراحل التعليم الأزهرى قبل الجامعى للبنين والبنات من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية بما فيها معاهدُ القراءاتِ، وصار أبناؤها من الأئمةِ ومعلمى العلوم الشرعية والعربية يغطون جميعَ مساجدِ القريةِ ومعاهدِها وكثيرًا من مساجدِ ومعاهدِ المحافظةِ والقرى المجاورةِ، فضلًا عن من استقر منهم فى العمل بالقاهرة وغيرها من المحافظات.
وكان عزمُ والدى (رحمه الله) على إلحاقى بالأزهر واضحًا منذ أن وعيتُ، وأذكر أنه حين كان أهلُ القريةِ يجمعون التبرعاتِ لبناء أول معهدٍ إعداديٍّ أزهريٍّ بها وأسهم بما يسَّر اللهُ له به فى حينه أنه قال فى حوارٍ مع والدتى (رحمها الله) وأنا طفلٌ أسمع: غدًا نُلْحِقُ ابنَنا به إن شاء الله.
صحيح أنى التحقت بمعهد ببا الإعدادى الثانوى، حيث التحقت بالصف الأول الإعدادى قبل إتمام بناء المعهد الإعدادى وافتتاحه بقريتنا، لكن كان لوالدى (رحمه الله) نيته التى كانت دلالةً واضحةً على حبِّه للأزهر الشريف وإصراره على التحاقى به.
أولُ معلمٍ كان له أثرٌ فى تكوينى العلمى المبكر هو زوجُ أختى الكبرى التى كانت أمًّا لى بعد أمى (رحمهما ورحمَهُ الله)، فقد كان معلمًا قديرًا وخطيبًا لأحد مساجد القرية مسجد الحاج فوزى عبدالكريم رحمه الله، ولا أقول إنه تعهدنى تعهدَ الوالدِ لولدِهِ، بل أقول: إنه (رحمه الله) تعهدنى تعهدًا تعجز العباراتُ عن وصفِهِ، ولا أستطيع مهما فعلتُ أو قلتُ أو وصفتُ أنى أُوفيَ ولو شيئًا يسيرًا من حقِّهِ، فله بعد الله عز وجل الفضلُ فى تأسيسى فى أهم مرحلةِ بناءٍ علميٍّ لأيِّ طفلٍ، إنه الأستاذُ والمربى الفاضلُ الذى تخرج على يديه معظمُ أبناءِ القريةِ النوابغِ آنذاك، إنه الأستاذُ عبدالعظيم عبدالوهاب محمد عطوة، ولا أنسى الأستاذَ عبدالتواب عبدالموجود (رحمه الله) الذى كان يدرس لنا مجانًا فى فصول التقوية الصيفية فى المرحلة الابتدائية وكان يخصنى بمزيدٍ من الاهتمامِ جعلنى أحبُّه وأحترمه طوال حياته وأدينُ له بالفضلِ وأخصُّه بالدعاءِ بعد وفاته..
هؤلاء من يقال فيهم بحق:
قُم للمعلمِ وَفِّهِ التبجيلا
كاد المعلمُ أن يكونَ رسولا
أرأيتَ أعظمَ أو أجلَّ من الذى
يبنى ويُنشئُ أنفسًا وعقولا
وللحديث بقية