تحريك المياه الراكدة فى ملف الإيجار القديم والحلول الواقعية

تحريك المياه الراكدة فى ملف الإيجار القديم والحلول الواقعية

بعد طول انتظار، تحركت المياه الراكدة فى ملف الإيجار القديم، ذلك الملف الشائك والمعقد الذى أهملته وتجاهلته الحكومات السابقة على مدار عقود طويلة وتركته دون حلول رغم آلاف القضايا والنزاعات فى المحاكم بين المالك والمستأجر، لكن فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي يبقى باب الأمل مفتوحا لدى المواطنين الذين يئسوا من إهمال الحكومات المتعاقبة لملفات عديدة وتعطل مصالحهم. وفى ظل حرص القيادة السياسية على تلبية احتياجات المواطنين واقتحام العديد من الملفات الشائكة والقضايا المعلقة لإيجاد حلول جذرية لها وإغلاقها، جاءت توجيهات الرئيس السيسي بمعالجة إشكاليات ملف قانون الإيجار القديم وآثاره وتنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر لتكون قائمة على العدالة والتوازن بين حقوق الطرفين دون الانحياز لطرف دون الآخر، ما حرك المياه الراكدة.

توجيهات القيادة السياسية والأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا دفعت البرلمان والحكومة للتحرك واتخاذ خطوات جادة فى ملف الإيجار القديم، خاصة بعد الحكم الصادر فى القضية رقم (24) لسنة 20 قضائية دستورية بتاريخ 9 نوفمبر 2024، بدستورية الفقرة الأولى فى كل من المادتين رقمي (1) و(2) من القانون رقم (136) لسنة 1981، فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون، وهو حكمٌ ملزمٌ لوضع حلول لهذه الأزمة الممتدة لسنوات طويلة، وسبقه أحكامٌ أخرى أيضا.

الفترة الماضية شهدت تنسيقا وتشاورا بين البرلمان والحكومة حول أزمة قانون الإيجار القديم، حتى أعلن مجلس النواب خلال جلسته يوم الثلاثاء الماضى، عن تقدم الحكومة بمشروعي قانونين، الأول: بشأن بعض الأحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن، والثاني: بتعديل بعض أحكام القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدني على الأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها، وتمت إحالة المشروعين إلى اللجان المختصة وعلى رأسها لجنة الإسكان لدراستهما ومناقشتهما وإجراء حوار مجتمعي حولهما.

الأيام المقبلة يجب أن تشهد تحركا سريعا من جانب البرلمان ممثلا فى اللجنة المشتركة التى أحيل لها مشروعا القانونين ومن جانب الحكومة، وتنفيذ تكليف رئيس المجلس بالدراسة الوافية والدقيقة للتعديلات المطروحة وإجراء حوار مجتمعي موسع حولها بالاستماع إلى جميع وجهات نظر الأطراف المعنية والخبراء والمختصين لإيجاد حلول توافقية وواقعية تحقق التوازن والعدالة بين حقوق المالك والمستأجر، وأتمنى أن نخرج برؤية شاملة لحل إشكاليات ملف الإيجار القديم لغلق هذا الملف نهائيا.

إن ملف الإيجار القديم يحتاج إلى الحوار من أجل التوافق على آليات الحل، حيث إنه فى ظل الوضع الحالي وقانون الإيجار القديم القائم هناك إخلال بحقوق الملكية الخاصة، حيث يجعل المالك «يملك ولا يملك» فعليا، أن تملك وحدات سكنية ولكنك لا تستطيع أن تسكنها أو تكسب منها وتحصل على حقك مقابل تأجيرها، فاستمرار إيجارات بعض الوحدات السكنية بقيمة لا تتجاوز 5 جنيهات شهريا منذ أكثر من ثلاثة أو أربعة عقود يمثل إهدارا للثروة العقارية، وهذا الأمر لا يحدث فى أي دولة أخرى.

الحلول التى ستخرج بها مناقشات البرلمان والحكومة من خلال الحوار المجتمعي يجب أن توجد مسارا عادلا ومنطقيا فى تنظيم العلاقة المستقبلية بين المؤجر والمستأجر، من خلال تحقيق التوازن والتوافق بين الطرفين، ونأمل في أن الخبراء والمتخصصين يسهمون فى وضع آلية لرفع القيمة الإيجارية تدريجيا وبصورة تضمن العدالة لعدم إثقال كاهل المستأجر بأعباء كبيرة خاصة غير القادرين، لذلك تكمن أهمية التدرج فى تحديد القيمة الإيجارية وتطبيقها وزيادتها على مراحل.

كما يمكن أن تعمل الحكومة على طرح وحدات سكنية ضمن مشروعات الإسكان بنظام التمليك والرهن العقاري وذلك على فترات تمتد لـ20 أو 30 عاما لتوفير بدائل مناسبة للمستأجرين غير القادرين ويكون لديهم سكنٌ يتملكونه، وذلك ضمن الحلول المطروحة، أيضا الوحدات المؤجرة وغير المستغلة فى مختلف المحافظات لا يصح أن تترك هكذا، يجب حصر هذه الوحدات وتحديد مواقعها والعمل على استغلالها والاستفادة منها.

ولا يفوتنى أن أثمن موافقة مجلس النواب على إصدار قانون إنشاء رقم قومي موحد للعقارات ما سيسهم فى تتبع هذه الوحدات والعمل على استغلالها، ومع إصدار تعديلات قانون الإيجار القديم والقوانين الأخرى الخاصة بمنظومة العقارات سيكون لدينا بنيةٌ تشريعيةٌ مرنةٌ وقويةٌ للحفاظ على الثروة العقارية وتشجيع الاستثمار العقاري.