حديث الطب عن الضغط والسكر

أيهما سيسبق الآخر؟ وهل هناك ترابط بين الضغط والسكر؟ وهو أمر محير، فتزامن الاثنين أحدهما مع الآخر يثير التساؤل؟ وهو السؤال الذى نسأله للمرضى دائما: «عندك ضغط أو سكر منذ متى يا حاج؟» أو فى عبارة ثانية: «فيه ضغط أو سكر؟» ويكاد يكون هو أشهر سؤال للأطباء عندما يأخذون التاريخ الطبي للمريض، ولكن من الناس من يسأل: لماذا هذا التزامن الغريب بين الضغط والسكر؟ وهو أشهر تزامن بين مرضين منفصلين فى الأعراض، وحتما يشتركان فى الأسباب، ولا نعرف ما الرابط بين الضغط والسكر لأننا لا نعرف ما المرض الباثولوجي المشترك فى الاثنين، وإن كان العرف فى التاريخ الطبي أن نسأل عن الضغط ونسأل عن السكر.
والسؤال الأهم فى الألفية الثالثة أيضا: هل هما المرض نفسه وله أكثر من صورة؟ لأن الأمراض لها بداية واحدة ثم تكون الصورة مختلفة بعد ذلك، وهو سؤال لم يجب عنه أحد حتى الآن، وإن كان العلم يقول: إن حقيقة الأمراض ما زالت محفوظة عند الخالق سبحانه وتعالى: {ويسألونك عن الروح. قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}، وما زالت أبحاثنا وعلومنا إلا تكهنات بحقيقة المرض، وإلا لاخترعنا الدواء السحري الذى يقضى على كل الأمراض، وبطبيعة الحال كل الذين يدعون أنهم يعالجون كل شيء بأي شيء لا بد أن يقف ضدهم القانون فضلا عن عدم سماع الناس لهم.
وارتباط الضغط بالسكر قد يكشف الإشكالية المزمنة أو الخلاف المزمن بين أمراض كثيرة، وإن كان المشترك الرئيسي فى كل الأمراض أنها تبدأ بشكل واحد ثم تتشعب، ولنرجع إلى علم الـ Pathology، ستجد أن الأمراض أغلبها يبدأ Infection or inflammation، ثم يحدث invasion of inflammatory cells، ثم يحدث deposition of inflammatory mediators، ثم يحدث توجه للمرض بصورة معينة إلى أن يصبح “ضغط أو سكر” أو غيرهما، وتلك صورة تقريبية لما يحدث.
والحقيقة الثانية فى الأمراض أنها يمنع بعضها بعضا، وذلك درسناه فى أمراض القلب، فالحمى الروماتيزمية تمنع تصلب الشرايين، ولا نعرف لماذا، وإن كنا نحتاج إلى أبحاث تثبت ذلك فى بلادنا، لأن الحمى الروماتيزمية لا توجد فى أوروبا إلا نادرا، فلن يفعلوا لها أبحاثا، وإن كنت دائما أحدث نفسى أننا لو بحثنا عن هذه الحقيقة فقد نصل إلى علاج كثير من الأمراض، ولو فطن العرب للأمراض الكائنة فى بلادهم لعرفوا كيف يعيدون كتابة كتبهم ومراجعهم التى صنفت الطب وعرفت الأمراض بطرق لا تتناسب مع كل عصر، وشرح المراجع للأمراض ممكن أن يتغير، وحتما سيفعل لنعيد ترتيب الأمراض من حيث الأهمية وليس التعريف فقط، ولنعيد تصنيف الدواء ولنزيل الارتباك الحاصل اليوم فى فروع الطب.
والملاحظ أيضا أن علم الباثولوجي يوضح لنا أن ما يحدث من الخلية من تغييرات عند المرض قد تكون ثابتة فى كل الأمراض ثم تتطور، وقد تتكشف علوم أخرى مستقبلا لم نكن نعرفها حتى يومنا هذا، ومن هنا قد نعرف شيئا عن حقيقة الأمراض.
ويقول العارفون بالسكر: إنه لمنكر لا مرتفع فيشكر ولا منخفض فيعذر، وفى الضغط منقصة لأغلب الناس داهسة، ولأن أنواعهما بائسة فالعلاج منهما له مدرسة guidelines للناس مؤنسة، فرتب الدواء ولا تكتفِ بالملاحظة قبل أن تحدث الكارثة.
استشارى القلب – معهد القلب
[email protected]