«تطوير الدراما» فى «صالة الانتظار» بالأوبرا

«تطوير الدراما» فى «صالة الانتظار» بالأوبرا

فى مشهدٍ يثيرُ الكثيرَ منْ علاماتِ الاستفهامِ، عُقدَ اجتماعُ لجنةِ تطويرِ الدراما فى صالةِ انتظارِ الجمهورِ بالمستوى الأولِ فى دارِ الأوبرا المصريةِ. وهو مكانٌ مفتوحٌ لا يليقُ بطبيعةِ المهامِ المنوطةِ بهذهِ اللجنةِ، خاصةً أنَّهُ يفتقرُ إلى مقوماتِ الخصوصيةِ أو التركيزِ اللازمِ لمناقشةِ قضايا حيويةٍ تتعلقُ بمستقبلِ الدراما المصريةِ.

صحيحٌ أنَّ هذا المكانَ استُخدمَ سابقًا لعقدِ بعضِ المؤتمراتِ الصحفيةِ نظرًا لقدرتِهِ على استيعابِ عددٍ كبيرٍ منَ الإعلاميينَ، إلَّا أنَّهُ يظلُّ مكانًا عامًّا، يقعُ أمامَ بابِ المسرحِ الكبيرِ مباشرةً، تحيطُ بهِ السلالمُ المؤديةُ إلى الطوابقِ المختلفةِ، وعلى بُعدِ خطواتٍ منْ دوراتِ المياهِ وبابِ الأسانسيرِ، كما يُطلُّ على البهوِ الرئيسيِّ، ما يجعلُهُ بيئةً غيرَ مواتيةٍ لأيِّ نقاش مهنيٍّ جادٍّ أو قراراتٍ دقيقةٍ. فهو كما ذكرتُ مكانٌ مفتوحٌ، وأيُّ موظفٍ أو ضيفٍ للأوبرا لا بدَّ أنْ يمرَّ منْ هذا المكانِ.

الأمرُ المُحيِّرُ أنَّ دارَ الأوبرا نفسَها على بُعدِ خطواتٍ منْ أماكنَ أخرى تضمُّ قاعاتٍ تصلحُ للاجتماعِ، منها المجلسُ الأعلى للثقافةِ، وفيهِ قاعاتٌ مغلقةٌ مؤهلةٌ لاستضافةِ الاجتماعاتِ. كما أنَّ وزارةَ الثقافةِ تملكُ مقار عدة تصلحُ للاجتماعِ مثلَ مكتبِ الوزيرِ بالعاصمةِ الإداريةِ، ومكتبِهِ بشارعِ شجرةِ الدرِّ بالزمالكِ، وصندوقِ التنميةِ الثقافيةِ. الأوبرا نفسُها يوجدُ بها قاعةُ اجتماعاتٍ مُلحقةٌ بمكتبِ رئيسِ مجلسِ إدارةِ الأوبرا، كلُّ هذهِ البدائلِ كانتْ أولى بالاختيارِ حفاظًا على جديةِ المشهدِ والموضوعِ قيدَ المناقشةِ.

بعيدًا عنِ المكانِ ولماذا الأوبرا تحديدًا، يُطلُّ على المشهدِ غيابُ التنسيقِ منْ زاويةٍ أخرى، حيثُ إنَّ الهيئةَ الوطنيةَ للإعلامِ، برئاسةِ أحمد المسلماني، كانتْ قدْ نظمتْ مؤتمرًا للدراما منذُ أيامٍ فى ماسبيرو، دعا إليهِ تقريبًا نفسَ الأسماءِ التى حضرتْ اجتماعَ اللجنةِ اليومَ. ما يثيرُ التساؤلَ: لماذا لمْ يتمَّ التنسيقُ بينَ الجهتينِ لتنظيمِ فعاليةٍ واحدةٍ موحدةٍ؟ خصوصًا أنَّ الطرفينِ يمثلانِ جهاتٍ رسميةً فى الدولةِ. التنسيقُ كانَ كفيلًا بتوحيدِ الرؤيةِ وتوفيرِ الجهدِ، وتجنبِ تكرارِ النقاشاتِ نفسها بأشكالٍ متفرقةٍ.

ويظلُّ جوهرُ الموضوعِ فى مضمونِ ما يُطرحُ. فالرئيسُ عبدُ الفتاحِ السيسيُّ كانَ واضحًا وصريحًا حينَ طالبَ بـ«دراما محترمةٍ»، خاليةٍ منَ الألفاظِ الخادشةِ للحياءِ ومشاهدِ العنفِ، مشددًا على «تهذيبِ الدراما» لا «تطويرِها» بمفهومِها التقنيِّ. التهذيبُ هنا يشيرُ إلى مضمونِ السيناريو والحوارِ والفكرةِ المقدمةِ، لا إلى أدواتِ التصويرِ أو تقنياتِ الإخراجِ.

وللأمانةِ، فإنَّ مستوى التصويرِ والإخراجِ فى الدراما المصريةِ شهدَ تطورًا كبيرًا خلالَ السنواتِ الأخيرةِ، بفضلِ وجودِ مخرجينَ واعدينَ، إلى جانبِ أساتذتِنا منْ كبارِ المخرجينَ الذينَ ما زالوا يُثرونَ الساحةَ بإبداعِهمْ، حفظهمُ اللهُ. لذا فإنَّ الحديثَ عنْ «تطويرِ الدراما» تقنيًّا يبدو فى غيرِ محلِّهِ، وليسَ هوَ المقصود، بينما الأولويةُ الحقيقيةُ تكمنُ فى ضبطِ القيمِ والمعاييرِ والمحتوى.

وهذا الأمرُ أتصورُ لا يحتاجُ إلى لجانٍ منَ الأساسِ، وهذا رأيٌ شخصيٌّ لى منذُ اليومِ الأولِ لفكرةِ تشكيلِ اللجانِ، فالأهمُّ بالنسبةِ لى محتوى العملِ الدراميِّ ومضمونُ الفكرِ المقدمِ، وتهذيبُ الدراما منْ أيِّ مشاهدَ للعنفِ والبلطجةِ، وطرحُ قضايا تهمُّ المواطنَ والوطنَ. فالأساتذةُ الكبارُ نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحفوظ عبدالرحمن ومحمد جلال عبدالقوى وأسامة أنور عكاشة وعبدالرحيم كمال عضو اللجنة لم تكن هناك لجان تضع لهم حلولًا لأزمة الدراما. كلُّ ما فى الأمرِ كانتْ هناكَ لجانٌ للمشاهدةِ تقولُ رأيَها فى الأعمالِ التى تصلحُ للعرضِ فى رمضانَ، وكانَ هناكَ جهازٌ للرقابةِ داخلَ ماسبيرو كانَ هدفُهُ الأولُ حمايةَ المجتمعِ منْ تسريبِ مشاهدَ تضرُّ المجتمعَ المصريَّ.