ماركسُ والشيوعيةُ

ماركسُ والشيوعيةُ

عندما نتحدثُ عنِ الماركسيةِ، قدْ يخطرُ في الأذهانِ مقصدانِ: فالأولُ هوَ أنْ يُقصدَ بالماركسيةِ الأفكارُ الفلسفيةُ النظريةُ وحدَها التي صدرتْ عنْ ماركسَ واتباعِهِ، والآخرُ هوَ أنْ تُقالَ ويُقصدَ بها الأفكارُ التي تولدتْ وتتولدُ كلَّ يومٍ في حقلِ الممارسةِ لمواجهةِ مشاكلِ التطبيقِ العمليِّ، وتلكَ المشاكلُ التي تبرزُ أيضًا في مجالٍ آخرَ يسميهِ البعضُ بمشاكلِ (التطبيقِ النظريِّ). سنحاولُ خلالَ كبسولتِنا هذهِ أنْ نُطلَّ بنظرةٍ خاطفةٍ على أفكارِ ماركسَ، وكيفَ ساعدتْهُ تلكَ الأفكارُ في تأسيسِ الشيوعيةِ؟
عزيزي القارئُ، وُلدَ ماركسُ بمدينةِ تريرَ في ولايةِ رينانيا الألمانيةِ عامَ 1818 م، والتحقَ بجامعةِ بون عامَ 1833م لدراسةِ القانونِ. وكانَ ماركسُ منَ المهتمينَ بالفلسفةِ، وذلكَ برغمِ معارضةِ والدِهِ لهُ الذي أرادَ لهُ أنْ يصبحَ محاميًا. قدمَ ماركسُ رسالةَ الدكتوراهِ في الفلسفةِ عامَ 1840م، وبالفعلِ حازَ على شهادةِ الدكتوراهِ. عاشَ كارلُ ماركسُ في القرنِ التاسعِ عشرَ، وهذهِ الفترةُ قدِ اتسمتْ بانتشارِ الرأسماليةِ الصناعيةِ منْ خلالِ تشكيلِ الطبقاتِ العماليةِ الأوروبيةِ وأولى صراعاتِها الكبرى.
وهذا هوَ العالمُ الذي حاولَ ماركسُ التفكيرَ فيهِ، وذلكَ منْ خلالِ عدةِ عواملَ: أولُها الفلسفةُ الألمانيةُ، وخاصةً فلسفةُ هيجلَ (1770 – 1831م) ومنها قدِ استخلصَ ماركسُ فكرَ جدليةِ التاريخِ الكونيِّ الذي تُسيطرُ عليهِ التناقضاتُ. وثانيها: الاقتصادُ السياسيُّ الإنجليزيُّ المُكونُ منْ آدم سميثَ (1723 – 1790م) و د. ريكاردو (1772 – 1823م)، ومالتوسَ (1770 – 1834م) أبرزُ وجوهِهِ. وثالثُها: الاشتراكيةُ “الطوباويةُ” الفرنسيةُ (سان سيمون، فورييه، كابي) ومعاصرو ماركسَ (برودون، بلانكي).
وكارلُ ماركسُ (1818 – 1883م) هوَ مؤسسُ الشيوعيةِ الحديثةِ، ونُسبتْ إليهِ الشيوعيةُ الماركسيةُ. وهوَ فيلسوفٌ ألمانيٌّ، سياسيٌّ، صحفيٌّ، مُنظِّرٌ، اجتماعيٌّ، وألفَ العديدَ منَ المؤلفاتِ. نجدُ أنَّ نظريتَهُ الخاصةَ بالرأسماليةِ وتعارضِها معَ مبدأِ أجورِ العمالِ هيَ السببُ في وصولِهِ للشهرةِ العالميةِ؛ لذلكَ يُعتبرُ هوَ مؤسسَ الفلسفةِ الماركسيةِ. ونجدُ أنَّ أهمَّ ما كتبَهُ ماركسُ ابتداءً منْ عامِ 1844م وحتى إصدارِ البيانِ ما يلي: “فقرُ الفلسفةِ” (كارلُ ماركسُ 1847)، “الأيديولوجيةُ الألمانيةُ” (ماركسُ وإنجلزُ 1845 – 1846م) ولكنهُ نُشرَ لأولِ مرةٍ عامَ 1932م وكانَ ذلكَ في الاتحادِ السوفييتيِّ، “العائلةُ المُقدسةُ” (كارلُ ماركسُ وإنجلزُ 1845).
ويُعتبرُ ماركسُ وصديقُهُ إنجلزُ المُنظرينِ الرسميينِ الأساسيينِ للفكرِ الشيوعيِّ. وفي نظرِنا، لا توجدُ الماركسيةُ في أعمالِ كارلِ ماركسَ فقطْ، ولا في أعمالِ ماركسَ وإنجلزَ وحدَهُما، وإنما توجدُ في أعمالِهِما ومنْ جاءَ بعدَهُما منَ الماركسيينَ، فالماركسيةُ هيَ محاولةٌ لتغييرِ العالمِ وليستْ فلسفةً خالصةً، وليستْ مجردَ فكرٍ يحوي فلسفةً وإنسانياتٍ وعلومًا اجتماعيةً. وما يدلُّ على ذلكَ ما كتبَهُ ماركسُ في أطروحتِهِ الحاديةِ عشرةَ عنْ فيورباخَ (ربيعَ 1845): “اقتصرَ الفلاسفةُ على تفسيرِ العالمِ بطرقٍ مُختلفةٍ، لكنَّ النقطةَ هيَ أنْ نُغيرَهُ”.
وختامًا، نجدُ صديقي القارئُ أنَّ الماركسيةَ ترى في فلسفتِها وأفكارِها محاولةً لتغييرِ العالمِ وليستْ فلسفةً خالصةً. وأنَّ فلسفةَ ماركسَ الاشتراكيةَ هيَ تحقيقٌ للحريةِ الواقعيةِ للإنسانِ، لتحررِ الفردِ منْ أغلالِ النظامِ الرأسماليِّ. ولكنْ هلْ هذا التصورُ التي ترى بهِ الماركسيةُ نفسَها صحيحٌ أمْ على خطأٍ؟ هذا ما سنناقشُهُ في القريبِ العاجلِ.
[email protected]