لا وقت لإضاعة الوقت

الوقت هو أكثر ما نريده ولكنه أسوأ ما نستخدمه، وهي عبارة استوقفتني لكونها تحمل حكمة بالغة. فمن منا لا يدعو لنفسه ولمن يحب بطول العمر؟ فالعلماء والأطباء يسعون لهذه الغاية، بل كل مراكز البحوث العلمية غايتها الكبرى إطالة العمر بموفور الصحة. ولكن في الحقيقة أن هذا المراد الذي نسعى إليه لا نقدر قيمته ولا نستغله الاستثمار الأمثل، فالإنسان مغبون في عمره ومجموع الأوقات التي يعيشها مهدورة، فنحن لا نعيش عشر أعمارنا. فالوقت أثمن ما يمكن أن ينفقه الإنسان، ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أعظم خسارة هي خسارة الوقت”، وهذه حقيقة مؤكدة. فالوقت وإن كان مجانيًا إلا أنه محدود، وإن مضى لا يمكن استعادته ولا يمكن امتلاكه، بل يمكن استغلاله فقط. ودائمًا ما نقول أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولكننا نقولها “طق حنك” وليس إدراكًا لأهمية الوقت. ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي: “اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”، صدق رسول الله. وهذا يدل على حرص الإسلام على قيمة الوقت وعدم إهداره، وأننا سوف نسأل عنه. وحقيقة أن الفرق بين الإنسان الناجح والإنسان الفاشل ليس فرقًا في العقول، ولكنه فرق في تنظيم واستثمار الوقت. وكان للعالم المصري الكبير الدكتور أحمد زويل الفضل في اكتشاف الفمتو ثانية، وكان لهذا الاختراع العلمي الرائع أثر كبير على تطوير كافة العلوم، واستخدم في اكتشافات علمية كبيرة عادت بفوائد على وضع العلم في قفزات علمية، وبسببها حصل على جائزة نوبل للعلوم. ولهذا أدركت الدول والمجتمعات المتحضرة أهمية استثمار الوقت الاستثمار الأمثل وعدم إهداره فيما لا طائل منه، وأصبحت تقاس الأمم والمجتمعات بقدر اهتمامها بقيمة الوقت، فكل لحظة هي فرصة فريدة لا يمكن تكرارها، ويدل على سمو الدول ورقيها احترامها للوقت. وقد قرأت لأنيس منصور أن إحدى الشركات الأسترالية قد أعلنت عن عدة وظائف لديها، ومن لم يوفق في القبول للوظيفة أرسلت له مظروفًا به مبلغ مالي تعويضًا له عن الوقت الذي ذهب منه نتيجة هذه المقابلة، ولاقى هذا الأمر استحسانًا من الناس. وتقوم شركات النقل بتعويض المسافرين في حالة التأخير عن المواعيد المذاكرة، ولم يعد الالتزام بالوقت التزامًا أخلاقيًا أو أدبيًا، بل أصبح التزامًا قانونيًا يحمل تبعات من غرامات وغيرها من وسائل تأديبية وعقابية. ولكن للأسف الشديد في عالمنا العربي لا نعطي للوقت هذه الأهمية، بل نعبث به ولا نضعه في المكانة التي يجب أن يكون فيها. فعلى مستوى المؤسسات نرى البيروقراطية التي تعطل الأعمال وتهدر الأوقات هي مثال صارخ على هذا الإهدار الممنهج للوقت وتعطيل بيئة العمل المستشري في عالمنا العربي. وعلى مستوى الأفراد فإن الوقت لا قيمة له ولا اعتبار، وكثيرًا ما نجد لافتة في المنزل لبيت أمير الشعراء أحمد شوقي: “دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني”، فنحن نهتم بالشعار لا بالمضمون، وهذه آفة عربية. وانتشر في مجتمعاتنا أكبر سارق للوقت: السوشيال ميديا، الفيسبوك وغيره، ويجب أن نقف وقفة جادة ضد هذا التيار الجارف الذي يذهب بأعمارنا، فلا وقت لإضاعة الوقت.