صناعةُ الكذبِ تفضحُها الفضائياتُ

نعم، أقولُها بكلِّ صدقٍ ونحنُ على أعتابِ الجمهوريةِ الجديدةِ التي نحلمُ بها جميعًا، ونحنُ على أبوابِ انتخاباتٍ تشريعيةٍ، ونحنُ بِصددِ أزمةٍ اقتصاديةٍ طاحنةٍ وديونٍ تخطتْ أرقامُها الحدودَ الآمنةَ، لدرجةِ أنَّ فوائدَ الديونِ تخطتْ أصلَ الدينِ نفسَهُ، مع اقتصادٍ يتسمُ بالهشاشةِ وضعفِ المكونِ التكنولوجيِّ في وارداتِهِ، مع اتفاقياتٍ دوليةٍ مُجحفةٍ لصالحِ الدولِ المتقدمةِ على حسابِ الدولِ الناميةِ. أقولُها بكلِّ الصدقِ: نحنُ لا ينقصُنا تصنيعٌ ولا تصديرٌ بقدرِ ما ينقصُنا الصدقُ مع النفسِ وشجاعةُ الاعترافِ بالخطأِ، فالاعترافُ بالخطأِ هو بدايةُ خطواتِ النجاحِ.
نحنُ بِصددِ حكوماتٍ انتهجتْ وما زالتْ تنتهجُ صناعةَ الكذبِ منذُ عقودٍ، نسمعُ ضجيجَ ماكيناتِهم لكنْ لا نرى طحينًا، رغمَ قيامِ الشعبِ بثورتينِ ورغمَ التوتراتِ الإقليميةِ والدوليةِ غيرِ المسبوقةِ، والتي لولا عنايةُ اللهِ وقوةُ جيشٍ عظيمٍ وإخلاصُ رئيسٍ همامٍ لحدَثَ ما لا يُحمدُ عقباهُ. أقولُها لتلكَ الأحزابِ الديكوريةِ التي أفرغتِ السياسةَ من مضمونِها، ذلكَ النهجُ الذي انتهجتْهُ منذُ انتفاضةِ الشعبِ المصريِّ في 30 يونيو بثورةٍ عظيمةٍ للحفاظِ على هويتِهِ واستقلاليةِ قرارِهِ، فاختطفتْهُ تلكَ الأحزابُ إلى دوامةِ ديمقراطيةٍ شكليةٍ لتتوارى الكفاءاتُ أمامَ المالِ السياسيِّ الموبوءِ، ليظلَّ الشعبُ المصريُّ في دوامةِ الفقرِ والعوزِ، فمصرُ المحروسةُ من أغنى دولِ العالمِ بمواردِها الطبيعيةِ وموقعِها المتميزِ وحضارتِها الغنيةِ وقوتِها الفتيةِ.
لقد فضحَ الإعلامُ كذبَ الحكومةِ على لسانِ المتحدثِ الإعلاميِّ لوزارةِ البترولِ في برنامجِ “على مسئوليتي”، حلقةُ الأحدِ الموافقِ 27 أبريل الماضي، بسؤالِهِ عن سببِ ارتفاعِ أسعارِ توصيلِ الغازِ للمنازلِ ليقفزَ من 7000 جنيهٍ إلى 22 ألفَ جنيهٍ خلالَ سنةٍ، رغمَ أنَّ حكومةَ مصرَ شغلُها الشاغلُ التصنيعُ، فكانَ الردُّ الصادمُ والذي كنتُ أتوقعُهُ وأنتظرُ أن تنتفضَ تلكَ الحكومةُ الصناعيةُ كما تصفُ نفسَها وتلكَ الأحزابُ الكرتونيةُ لمتابعةِ هذا التصريحِ بالفحصِ والتدقيقِ والمساءلةِ والمحاسبةِ والاعترافِ بالخطأِ كما فعلتِ الجزائرُ حينما اعترفتْ بخطأِ تجميعِ السياراتِ وبدأتْ في تأسيسِ صناعةِ قطعِ الغيارِ أولًا وحاسبتِ المتسببينَ، لكنْ مرَّ الخبرُ مرورَ الكرامِ في بلدٍ يُكابدُ شعبُهُ من أجلِ البقاءِ على حدِّ الكفافِ. أجابَ المتحدثُ الرسميُّ أنَّها مرتبطةٌ بسعرِ الدولارِ لأننا نستوردُ العداداتِ بجميعِ أجزائِها وجميعَ التوصيلاتِ من الخارجِ. لم أسمعْ عن استجوابٍ أو طلبِ إحاطةٍ بشأنِ الخبرِ الذي يتطلبُ سحبَ الثقةِ من تلكَ الحكومةِ التي تعملُ لمجردِ التصويرِ وأخذِ اللقطةِ. الأمرُ يتطلبُ صحوةً كبرى من حكماءِ هذا البلدِ، ولا عزاءَ لأحزابٍ كرتونيةٍ تناستْ دورَها الأساسيَّ في تفنيدِ القوانينِ واللوائحِ والمنشوراتِ التفسيريةِ والتي أفرغتِ الصناعةَ من مضمونِها الحقيقيِّ لصالحِ الاستيرادِ وكرستْ لثقافةِ الاستيرادِ المقنعِ باسمِ التجميعِ والتصنيعِ، فجمعتْهُما في سلةٍ واحدةٍ، وشتانَ بينهما، تاركةً كلَّ ما يتعلقُ بهُمومِ هذا الوطنِ وارتضتْ أن تقتاتَ على أوجاعِ الشعبِ. وبكلِّ حبٍّ وخوفٍ على بلدي أطرحُ التساؤلاتِ الآتيةَ على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ:
1- ماذا فعلَ مجلسُ إحلالِ بدائلِ الوارداتِ وتعميقِ المنتجِ المحليِّ الذي تمَّ تشكيلُهُ في نوفمبر 2021 والذي يختصُّ بالمتابعةِ والتحليلِ المستمرِّ لبياناتِ هيكلِ الوارداتِ بالمتابعةِ مع وزارةِ التجارةِ والصناعةِ؟!!
2- ماذا عن نسبةِ 22,3% من إجماليِّ التحويلاتِ التنمويةِ والتي تبلغُ ميزانيةُ الشراكةِ بينَ مصرَ والأممِ المتحدةِ من أجلِ التنميةِ المستدامةِ 1,2 مليارَ دولارٍ والتي وُجهتْ ضمنَ استراتيجيةِ الدولةِ لتوطينِ الخاماتِ المعنيِّ بالصناعةِ والابتكارِ ويُنفذُ من خلالِ 118 مشروعًا وذلكَ في الإطارِ الاستراتيجيِّ للشراكةِ بينَ مصرَ والأممِ المتحدةِ (2023-2027)؟!!
3- ماذا عن مركزِ تحديثِ الصناعةِ الذي اشترطَ إنشاؤُهُ بعقدِ اتفاقيةِ الشراكةِ المصريةِ الأوروبيةِ للوصولِ بالصناعةِ المصريةِ لتكونَ على نفسِ مستوى الشراكةِ الأوروبيةِ بمنحةٍ أوروبيةٍ منذُ 2005 ومن حينِها تضاعفتِ الصادراتُ وأُغلقتِ المصانعُ المصريةُ أبوابَها لصالحِ المنتجاتِ الأوروبيةِ؟
4- ماذا عن متابعةِ الإعلانِ الخاصِّ عن إنشاءِ 4 مدنٍ جديدةٍ و17 مجمعًا صناعيًّا في 15 محافظةً وعن 100 إجراءٍ لتحفيزِ القطاعِ الصناعيِّ تمَّ دعمُهُ بمبلغِ 12 مليارَ جنيهٍ؟!!
5- ماذا عن المجلسِ الاستشاريِّ الاقتصاديِّ الذي تمَّ إنشاؤُهُ في 21 مايو 2023؟
6- ماذا عن اللجانِ الاستشاريةِ المتخصصةِ التي تمَّ تشكيلُها في يناير 2025 لنفسِ الهدفِ وهو الوصولُ لرؤيةِ مصرَ 2030 من تعميقِ التصنيعِ وزيادةِ التصديرِ لعلاجِ الخللِ المُذري للميزانِ التجاريِّ والسقوطِ المخجلِ للجنيهِ مقابلَ الدولارِ؟
ماذا؟ وماذا؟ هذا قليلٌ من كثيرٍ يستحقُّ المتابعةَ والبحثَ وتحليلَ النتائجِ وتقديمَ الحلولِ. هذا هو دورُ الأحزابِ الوطنيةِ التي تستحقُّ أن تمثلَ هذا الشعبَ ذي الجيناتِ الحضاريةِ الذي يقفُ حائطَ صدٍّ خلفَ قيادتِهِ حينَ يستشعرُ الخطرَ، تاركًا همومَهُ خلفَ ظهرِهِ. لا يستحقُّ هذه الحكومةَ الفاقدةَ لبوصلتِها ولا هذه النخبةَ السياسيةَ التي لا تعي دورَها الرئيسيَّ في النهوضِ بهذا الشعبِ وقوتِهِ البشريةِ التي لطالما كانتْ فخرًا لمصرَ في أيِّ مجالٍ يُتاحُ لها العملُ من خلالِهِ خارجَ مصرَ.