77 نكبة!

في كل لحظة، يثبت الفلسطينيون دائمًا، أنهم شعب لا يعرف الهزيمة أو الاستسلام أو التنازل، أو التفريط في أرضه وثوابته وحقوقه.. مهما طال الزمن، ومهما بلغت قوة وجرائم المحتل وشركائه وداعميه.
ربما لم يكن يتوقع الإرهابي «ديفيد بن جوريون» ـ عندما أعلن قيام «كيان الاحتلال»، في 15 مايو 1948، على مساحة 85% من أرض فلسطين التاريخية ـ أنه سيأتي يوم تُبعثُ فيه القضية من جديد، بصناعة ملحمة أسطورية في الثبات والتضحية والصبر والفداء.
ورغم ألم النزوح والتهجير والتشريد والقتل والقصف اليومي، وحرب التجويع والتعطيش التي يمارسها «الاحتلال النازي»، إلا أن عملية «طوفان الأقصى»، أكدت مجدَّدًا مشروعية نضال الشعب الفلسطيني، لتُعيد حضورها العالمي، باعتبارها قضية تحرر وطني عادلة، لنَيْل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
الآن، بدأ «الاحتلال الصهيوني»، يساوره الشك، فيما إذا كانت «إسرائيل» ستكمل مئويتها، أم أنها إلى زوال، ولذلك علينا تذكير الأجيال الجديدة، بما حدث في «يوم النكبة»، الذي تتلاحق فصوله على مدار 77 عامًا، لشعبٍ بات ضحيةً لأكبر عملية تطهير عرقي ممنهج في التاريخ الحديث والمعاصر.
في هذا «اليوم المشؤوم» بدأ فعليًا ورسميًّا غرس جذور «الصهاينة»، لتبدأ منظومة التِّيه والشَّتات والمأساة التي ما زالت تُفرزها النكبة، لتغيير كل ما يمتّ لتاريخ فلسطين وجغرافيتها بِصِلة، إذ تم تهجير أكثر من 800 ألف إنسان، هم أهالي 1152 مدينة وقرية وضيعة.. طُردوا قسرًا من قراهم، لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم، وآمال العودة إلى ديارهم في يومٍ من الأيام.
على مدار عقود، تعددت «المبادرات» و«الحلول» و«القرارات» و«الاتفاقيات» و«جولات الحوار» و«المهرجانات» الإقليمية والدولية، برعاية «الحليف الأمريكي المتواطئ»، لكننا لم نرَ أي تقدم يُذكر، في أي عملية تسوية مزعومة!
الآن، بعد أن اُسْقِطَت من القاموس الرسمي العربي، أرض فلسطين، كما سقطت من ذاكرته المتآكلة، ثلاثية الاستنكار والإدانة والشجب، الموجودة في فصل «إبراء الذمم»، ورغم ما تتعرض له الأراضي المحتلة منذ النكبة وحتى الآن، من ممارسات «صهيونية فاشية»، لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، إلا أن «الاحتلال الفاجر» لن يستطيع مخالفة منطق الأشياء وقوانين التاريخ، أو محو إرادة الكفاح الوطني، أو تغيير عقيدة انتماء شعبٍ إلى أرضه، يؤمن بحقوقه، ويتمسك بجميع أشكال النضال والمقاومة ضد جرائم التطهير العِرقي والديمغرافي.
أخيرًا.. بعد كل تلك العقود الطويلة، من «العرض المستمر» لمسلسل النكبة الكبرى في فلسطين، وما وصل إليه حال الأنظمة الرسمية العربية من ضعفٍ وهوانٍ وانقسامٍ وحروبٍ وتحالفاتٍ هشَّة وتطبيع ٍمجاني، لم يعد هناك أي شيء قابل للنقاش أو المساومة أو المناورة أو حتى البيع!
فصل الخطاب:
يقول «محمود درويش»: «كلما خُيِّل لنا أن فلسطين انتقلت من مكانتها المقدسة إلى السياق العادي، تُفاجئنا بقدرتها الفَذَّة على إيقاظ معناها الخالد ـ بِبُعْدَيْهِ الزمني والروحي ـ من سباتٍ تاريخيٍّ عابر».