البنزينُ على النارِ

جاءَ الردُّ الرسميُّ من الجهاتِ المسؤولةِ بشأنِ ما أُثيرَ حولَ «البنزينِ المغشوشِ» قاطعًا بالنفيِ، فأكدَ بيانُ وزارةِ البترولِ أنَّ جميعَ المنتجاتِ البتروليةِ بما في ذلكَ البنزينُ المسوقُ محليًّا تخضعُ لرقابةٍ وفحوصاتٍ دوريةٍ دقيقةٍ ضمنَ عملياتِ الإنتاجِ والتوزيعِ المختلفةِ لضمانِ مطابقتِها للمواصفاتِ القياسيةِ المصريةِ، وأنَّهُ بمتابعةِ نتائجِ تحاليلِ عيناتِ البنزينِ، سواءٌ المسوقةِ محليًّا أو العيناتِ التي يتمُّ سحبُها بشكلٍ مستقلٍّ على مستوى الجمهوريةِ بواسطةِ المفتشينَ المحايدينَ من الجهاتِ المعتمدةِ العالميةِ، فقد أوضحتِ النتائجُ حتى تاريخِهِ، مطابقةَ جميعِ العيناتِ للمواصفاتِ القياسيةِ المصريةِ، سواءٌ من مستودعاتِ شركاتِ التوزيعِ أو شركاتِ التكريرِ المنتجةِ.. نضعُ هنا خطًّا تحتَ عبارةِ «حتى تاريخِهِ»، فقد تركتْ لنا الوزارةُ فرصةً لاحتماليةِ ظهورِ عيناتِ بنزينٍ قد تكونُ مغشوشةً.
وجاءَ ردُّ وزارةِ التموينِ مُكمِّلًا لردِّ وزارةِ البترولِ، وأكدَ الدكتورُ شريف فاروق، وزيرُ التموينِ والتجارةِ الداخليةِ، أنَّ الوزارةَ تُنفذُ خطةً رقابيةً مُحكمةً ومُكثفةً على مستوى الجمهوريةِ لضبطِ منظومةِ توزيعِ الموادِ البتروليةِ، والتأكدِ من وصولِ الدعمِ لمستحقيهِ، ومواجهةِ أيِّ تلاعبٍ أو ممارساتٍ غيرِ مشروعةٍ في تداولِ الموادِ البتروليةِ المدعمةِ، وكشفَ أحمد أبو الغيط، معاونُ وزيرِ التموينِ لشؤونِ الرقابةِ على الموادِ البتروليةِ أنَّهُ تمَّ بالفعلِ سحبُ عيناتٍ عشوائيةٍ من محطاتٍ على مستوى الجمهوريةِ ويجري تحليلُها حاليًا، مؤكدًا أنَّهُ سيتمُّ عرضُ النتائجِ على الرأيِ العامِّ بشفافيةٍ كاملةٍ فورَ ظهورِها، وأنَّهُ: «ليسَ لدى الوزارةِ ما تُخفيهِ».
البيانُ الرسميُّ من وزارتي البترولِ والتموينِ، فورَ نشرِهما على الصفحةِ الرسميةِ لمجلسِ الوزراءِ، قوبلا بحالةٍ من الغضبِ والهجومِ والاستهجانِ من أصحابِ السياراتِ الذينَ اشتكوا من تلكَ الظاهرةِ، وفسروا تلفَ «طُرمبةِ البنزينِ» لعددٍ كبيرٍ من السياراتِ في ذاتِ الوقتِ بوجودِ «بنزينٍ مغشوشٍ».
وكانتْ تعليقاتُ المستخدمينَ تدورُ في فلكِ الرفضِ والاتهامِ والسخريةِ والتشكيكِ، فكتبَ أحدُهم في اتهامٍ مُبطنٍ: «صفقةُ طُرمباتٍ داخلةِ البلدِ»، وكتبَ آخرُ ساخرًا: «صح هي الطُرمباتُ بتاعتنا كلُّها باظتْ فجأةً»، وكتبَ آخرونَ في حالةِ استنكارٍ: «طب احنا بنطالبُ كلَّ واحدٍ عربيتُهُ جابتْ طُرمبةَ بنزينٍ ياخدْ عينةً من البنزينِ ويروحْ يحللْها بنفسِهِ وينشرْ النتيجةَ على الفيس بوك.. البلدُ كلُّها بتكدبُ وأنتوا صادقينَ.. كلامٌ نظريٌّ، العمليُّ والحقيقةُ هي اللي حصلتْ في الشارعِ… عربياتٌ كتيرٌ غيرتْ طُرمبةَ بنزينٍ.. احنا آسفينَ جدًّا أزعجناكُمْ العيبُ في سيارتِنا جميعًا.. كلُّنا نشتكي من نفسِ العيبِ على مستوى الجمهوريةِ آسفينَ جدًّا! »، ولا داعيَ هنا للتأكيدِ بأنَّهُ قد تمَّ الاطلاعُ وقراءةُ تلكَ التعليقاتِ بعنايةٍ من قبلِ المسؤولينَ.
حالةُ الاستهجانِ والرفضِ من الطرفِ الأولِ أصحابِ السياراتِ «المستهلكِ» على بيانِ الطرفِ الثاني وزارةِ البترولِ «الرسميِّ» يُنذرُ بحالةٍ من فقدانِ الثقةِ، وعدمِ الارتياحِ أو الاطمئنانِ لتلكَ التصريحاتِ التي تنفي بشكلٍ قاطعٍ، وتستخدمُ أحيانًا مُرادفاتٍ مثلَ «شائعاتٍ أو احتمالاتٍ أو شُبهاتٍ» على شكاوى جماعيةٍ ترقى إلى وقائعَ حدثتْ بالفعلِ.
أخيرًا: ربما يقولُ البعضُ أنَّ ما أُثيرَ حولَ «البنزينِ المغشوشِ»، مجردُ حملةٍ مُنظمةٍ عبرَ منصاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ لإرباكِ ما هوَ مُرتبكٌ أصلًا، وسكبِ البنزينِ على النارِ، ليكونَ الردُّ بالإيجابِ، ربما يحدثُ ذلكَ، ولكنْ عندما نجدُ تلكَ الشكاوى من الدوائرِ المُحيطةِ من أقاربَ وأصدقاءَ ليسَ لهم مصلحةٌ في إشعالِ تلكَ الفتنةِ، فلا بدَّ من البحثِ عن السببِ الحقيقيِّ والفاعلِ الحقيقيِّ لتلكَ الأزمةِ، حتى لا ننصرفَ من تلكَ الواقعةِ نحملُ «اللاشيءَ»، فتزدادُ حالةُ التشكيكِ وفقدانِ الثقةِ، ويظلُّ البنزينُ على النارِ.
في النهايةِ: الأجهزةُ الرقابيةُ صاحبةُ الفصلِ في هذا الشأنِ، وستكشفُ الحقائقَ والمتورطينَ في تلكَ الأزمةِ أو افتعالِها.
حفظَ اللهُ مصرَ من كلِّ سوءٍ.