((أمسيةٌ ساحرةٌ في حضرةِ النوستالجيا))

في ليلةٍ ساحرةٍ، وجدتُ نفسي أُسافرُ عبرَ الزمنِ وأنا جالسةٌ في مقعدي الوثيرِ لمشاهدةِ مسرحيةٍ تُجسدُ بكلِّ براعةٍ سحرَ النوستالجيا على خشبةِ مسرحِ البالونِ العريقِ.. منذُ اللحظةِ التي رُفعَ فيها الستارُ انطلقتْ رحلةٌ حسيةٌ أيقظتْ في داخلي ذكرياتٍ دفينةً.. روائحُ وأصواتٌ وألوانٌ طالما ظننتُ أنها تلاشتْ في غياهبِ الذاكرةِ. لقد شعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ وأنا أسترجعُ تلكَ التفاصيلَ الدقيقةَ التي رسمها الفنانونَ على هذا المسرحِ العريقِ.
لم تكنِ المسرحيةُ مجردَ سردٍ لأحداثِ الماضي، بل كانتْ تجربةً غامرةً أعادتْ إحياءَ مشاعرِ الاشتياقِ والحنينِ. الديكوراتُ البسيطةُ والأزياءُ الأنيقةُ والموسيقى المؤثرةُ كلُّها تضافرتْ لتخلقَ جوًّا دافئًا وكأنني أعيشُ تلكَ اللحظاتِ من جديدٍ.
أبدعَ الممثلونَ في تجسيدِ شخصياتٍ حملتْ في طياتِها حكاياتِ الماضي، لتُذكرني بلحظاتِ الفقدِ والحنينِ. لقد نجحوا ببراعةٍ في نقلِ إحساسِ الشوقِ لتلكَ الأيامِ التي مضتْ، تلكَ البراءةِ والصفاءِ التي ربما افتقدناها في صخبِ الحاضرِ. وكم كنتُ سعيدةً بمشاهدتِهم وهم يتجولونَ بنا في سراديبِ الماضي وشعرتُ وكأني دخلتُ آلةَ الزمنِ.. فشاهدتُ أشهرَ البرامجِ والمسلسلاتِ والأفلامِ والأغاني والإعلاناتِ التي أخذتني إلى عالمي المفضلِ البريءِ الذي لم يُلوثْهُ صخبُ التكنولوجيا..
ولا يسعُني هنا إلا أنْ أتوجهَ بتحيةِ تقديرٍ إلى (الفنانِ تامر عبد المنعم – رئيسِ البيتِ الفنيِّ للفنونِ الشعبيةِ) على هذا الاختيارِ الموفقِ وتقديمِ هذهِ التحفةِ الفنيةِ التي تحتفي بذاكرتِنا الجماعيةِ. كما أتوجهُ بالشكرِ والتقديرِ إلى مسرحِ البالونِ، والمخرجِ ضياء داوود مديرِ العلاقاتِ العامةِ والإعلامِ للبيتِ الفنيِّ للفنونِ الشعبيةِ هذا الصرحِ الفنيِّ العريقِ الذي يستمرُّ في إمتاعِنا وتقديمِ أعمالٍ فنيةٍ راقيةٍ تُثري وجدانَنا.
لم تقتصرِ النوستالجيا في المسرحيةِ على الحنينِ إلى الماضي الجميلِ فقطْ، بل لامستْ أيضًا تلكَ المنطقةَ الرماديةَ من الذكرياتِ المختلطةِ، تلكَ التي تحملُ في طياتِها الفرحَ والحزنَ معًا. وهذا ما جعلَ التجربةَ أكثرَ عمقًا وصدقًا، لقد استمتعتُ بكلِّ لحظةٍ في هذا الاستكشافِ الصادقِ للذاكرةِ.
في نهايةِ العرضِ، وبينما أُصفقُ بحرارةٍ للممثلينَ وكلِّ فريقِ العملِ، شعرتُ بشيءٍ دافئٍ يتسللُ إلى قلبي. لقد كانتْ أمسيةً رائعةً ومؤثرةً، وأنا سعيدةٌ جدًّا بحضوري هذهِ التجربةِ الثريةِ التي أعادتْ وصلي بجذوري وذكرتني بأنَّ الماضي ليسَ مجردَ محطاتٍ عابرةٍ.. بل هو جزءٌ أصيلٌ من هويتِنا يُشكلُ حاضرَنا ويُضيءُ مستقبلَنا. إنها دعوةٌ للتوقفِ قليلًا في زحامِ الحياةِ واستنشاقِ عبقِ الماضي الذي يُحيي الروحَ ويمنحُها معنى أعمقَ. لقد خرجتُ من المسرحِ وأنا أشعرُ بامتنانٍ عميقٍ لهذهِ الرحلةِ الممتعةِ في أعماقِ الذاكرةِ..
شكرًا للقائمينَ على هذا العملِ الفنيِّ المميزِ.