لا.. لطردِ المستأجرين!

مع بدءِ مناقشاتِ لجنةِ الإسكانِ لقانونِ الإيجارِ القديمِ، خرجتْ بعضُ التعديلاتِ التى تنصُّ على أنَّ إيجارَ الشقةِ بالمدنِ يجبُ ألَّا يقلَّ عن 1000 جنيهٍ شهريًّا، وبالقُرى عن 500 جنيهٍ، على أنْ يُنظرَ فى العلاقةِ الإيجاريةِ بينَ المالكِ والمستأجرِ بعدَ خمسِ سنواتٍ من تحريرِ العقدِ، وإذا اعترضَ المستأجرُ يلجأُ المالكُ إلى المحكمةِ المختصةِ لطردِهِ!!
صحيحٌ أنَّهُ منذُ عقودٍ طويلةٍ تمثلُ الإيجاراتُ القديمةُ صداعًا مزمنًا، بعدَ أنْ فشلتِ الحكوماتُ المتعاقبةُ فى الوصولِ لعلاجٍ شافٍ لهذا الصداعِ، فهناك مالكٌ يُقدِّرُ عقارَهُ بالملايينِ ولا يأخذُ منهُ سوى الملّيماتِ، وفى المقابلِ يوجدُ مستأجرٌ دفعَ ثمنَ الشقةِ مقدمًا «كمقدمِ إيجارٍ» رغمَ دخلِهِ المحدودِ وورثَ عقدَ الإيجارِ عن أبيهِ وعاشَ بها سنواتٍ معدوداتٍ، وليستْ لديهِ الآنَ قدرةٌ للبحثِ عن سكنٍ بديلٍ.
هكذا ظلَّ الإيجارُ القديمُ عقدةَ الملاكِ والمستأجرينَ، إلى أنْ تمَّ فتحُ هذا الملفِّ مؤخرًا، بهدفِ إعادةِ التوازنِ بينَ الطرفينِ من خلالِ حوارٍ ونقاشٍ بينَ الحكومةِ والبرلمانِ والأحزابِ وممثلى أصحابِ العقاراتِ والمستأجرينَ، وصولًا لقانون توافقيٍّ يُرضى الجانبينِ.
واليومَ مع بدءِ لجنةِ الإسكانِ النقاشَ حولَ هذا القانونِ، لنا بعضُ الملاحظاتِ ربما يكونُ من المفيدِ طرحُها قبلَ أنْ يصلَ القانونُ إلى صيغتِهِ النهائيةِ، ومن أهمِّها:
> أولًا: هناكَ أحكامٌ دستوريةٌ صدرتْ لصالحِ المستأجرِ وأخرى صدرتْ بحقِّ المالكِ، ينبغى احترامُها والعملُ من خلالِها حتى لا يأتيَ القانونُ المقترحُ حاملًا شبهةَ عدمِ الدستوريةِ، فنعودُ إلى المربعِ صفرٍ فى أولِ طعنٍ عليهِ.
> ثانيًا: إعادةُ حقوقِ الملاكِ تدريجيًّا من خلالِ حصرِ الشققِ المؤجرةِ، وتصنيفِها بينَ شققٍ ساكنةٍ وأخرى مُغلقةٍ وثالثةٍ تمَّ تحويلُها إلى نشاطٍ تجاريٍّ أو إداريٍّ، وإذا كانَ مجموعُ هذهِ الوحداتِ، كما أُعلنَ، 3 ملايينَ وحدةٍ منها مليونُ وحدةٍ ساكنةٍ ومليونٌ «متروكةٌ»، وهنا يجبُ فسخُ عقدِ الإيجارِ للشققِ التى تمَّ تحويلُها إلى نشاطٍ آخرَ بالمخالفةِ لعقدِ الإيجارِ.
> ثالثًا: أمَّا الشققُ السكنيةُ فيُجرى تغييرُ قيمتِها الإيجاريةِ القديمةِ فى صورةِ شرائحَ وعلى عدَّةِ سنواتٍ استنادًا إلى مساحةِ الشقةِ وموقعِها والحيِّ الكائنةِ فيهِ، فليسَ معقولًا أنْ يتساوى التقييمُ لشقتينِ إحداهُما بالزمالكِ والأخرى فى إمبابةَ.
> رابعًا: ينبغى أنْ يتمَّ بالتوازى مع منحِ الملاكِ حقوقَهم، الحفاظُ على المستأجرِ فى مكانِهِ ومراعاةُ ظروفِهِ المعيشيةِ وقدرتِهِ الماليةِ للوفاءِ بالزيادةِ المقترحةِ، خاصةً أنَّهُ دفعَ ثمنَ هذهِ الشقةِ كمقدمِ إيجارٍ وقامَ بتشطيبِها وهيَ «على الطوبِ الأحمرِ».
> خامسًا: إنَّ تلكَ الشققَ المأهولةَ بالسكانِ تضمُّ على الأقلِّ 8 ملايينِ نسمةٍ لا بدَّ من الحفاظِ على استقرارِهم، وعلى الحكومةِ أنْ تطرحَ نسبةً مقبولةً من مشروعاتِها السكنيةِ لصالحِ المستأجرينَ وبتسهيلاتٍ مُغريةٍ تؤهلُهم لتركِ شققِهم القديمةِ.
> سادسًا: وذلكَ هو الأهمُّ، أنَّ معظمَ سكانِ الشققِ القديمةِ خاصةً فى الأحياءِ الشعبيةِ بمختلفِ المحافظاتِ أغلبُهم من محدودى الدخلِ وأصحابِ المعاشاتِ الذينَ لا يستطيعونَ تحملَ الإيجارِ الجديدِ الأمرُ الذى يفرضُ مساعدتَهم عن طريقِ صندوقِ دعمِ المستأجرينَ، الذى يُجرى تمويلُهُ من عائدِ الضريبةِ العقاريةِ التى من المتوقعِ أنْ تصلَ إلى 150 مليارَ جنيهٍ.
أمَّا النصُّ على تحريكِ العلاقةِ الإيجاريةِ بينَ المالكِ والمستأجرِ كلَّ خمسِ سنواتٍ، وإلَّا تعرَّضَ المستأجرُ للطردِ، فإنَّ هذهِ قنبلةٌ موقوتةٌ ينبغى استبعادُها من القانونِ، حتى يتحققَ الاستقرارُ ولا يعيشَ المستأجرونَ مهددينَ بالطردِ ولو بعدَ حينٍ.