الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط (٢)

استكمالا لما ذكرناه في الجزء الأول من المقال السابق حول تراجع الهيمنة الأمريكية في المنطقة بشكل “صوري” ، وأهداف الاستراتيجية الأمريكية والتي تعمل بشكل متزايد كقوة بالوكالة لتحقيق طموحات حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة في المنطقة.
نتابع……
(رابعا) تكاليف التبعية
إنّ التحوّل إلى وكيل لإسرائيل له ثمن باهظ، من المرجح أن تجرّ أي حرب مع إيران قوى إقليمية أخرى إلى الصراع، وتزعزع استقرار مضيق هرمز والخليج العربي، وتهزّ أسواق الطاقة العالمية، وتُسبب معاناةً بالغة – لا سيما في ظلّ تقاطع أزمة الطاقة في الشرق الأوسط مع مشاكل الطاقة المستمرة في أوروبا.
إن حربًا كهذه ستكشف أيضًا عن ازدواجية معايير أمريكا: والتي تدعي أنها مدافع عن الديمقراطية، وتدعم بثبات نظامًا مدانًا بانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان وهياكل الفصل العنصري، لا يمكن للفلسطينيين طلب العدالة من المستوطنين الإسرائيليين الذين يحرقون منازلهم، ولا يمكنهم اللجوء إلى هيئات دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لأن حق النقض الأمريكي يحمي إسرائيل من المساءلة.
إن استمرار هذا المسار من الدعم الأعمى يُقوّض الشرعية الأخلاقية لأمريكا واستقلاليتها الاستراتيجية، معظم الأمريكيين لا يريدون حربًا أخرى.
تُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الناخبين قد سئموا من التدخلات العسكرية، ويعتبرون المساعدات التي لا تنتهي لإسرائيل إهدارًا للموارد، إن الاحتياجات الحقيقية للأمريكيين – الرعاية الصحية والتعليم والإسكان – لا تُلبّى بالحرب التي لا تنتهي.
(خامسا) المسار البديل: الدبلوماسية وإنهاء الاستعمار
إذا كانت الولايات المتحدة تسعى حقًا إلى السلام والاستقرار ومستقبل أفضل للمنطقة، فعليها تغيير مسارها، وهذا يعني رفض أي ضربة عسكرية على إيران، والعودة إلى الدبلوماسية، وإحياء الاتفاق النووي.
يجب رفع العقوبات القاسية التي تضر بالمواطنين الإيرانيين العاديين، وإعادة فتح قنوات الحوار على أساس الاحترام المتبادل، لكن التغيير الجذري يجب أن يكون كالتالي: إبعاد إسرائيل عن صميم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
لن ينشأ السلام الحقيقي إلا بمعالجة جذور العنف – وإرث الاستعمار الغربي، إن إعادة تعريف السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على العدالة الإقليمية لن تمنع الكارثة فحسب، بل ستُرسي أيضًا الأساس لنظام عالمي أكثر عدلًا في القرن الحادي والعشرين.
وهذا يتطلب تحولًا جذريًا في النموذج الأمريكي في نظرته إلى الشرق الأوسط – ليس من خلال عدسة إسرائيل، بل من منظورها الاستراتيجي والأخلاقي.
(سادسا) إمبراطورية أم تحرير؟
الخيار الذي يواجه أمريكا “ترامب” – والولايات المتحدة على نطاق أوسع – واضح: الاستمرار في طريق الإمبراطورية والحرب والاعتماد على حليف خطير، أو التحرك نحو التحرير والسلام واستقلال السياسة الخارجية… مستقبل الشرق الأوسط – وربما النظام العالمي – يعتمد على هذا القرار.
مقالات ذات صالة