بؤسُ السياسةِ العربيةِ بشأنِ غزة!

فى ذروةِ المأساةِ وفى مواجهةِ الهجمةِ الإسرائيليةِ الشرسةِ على غزةَ، لم تجدْ حماسُ فى بيانٍ لها سوى أنْ تدعو الدولَ العربيةَ والإسلاميةَ بالطبعِ إلى جانبِ المجتمعِ الدولى لتحملِ مسؤولياتِهم ولجْمِ الاحتلالِ الفاشى وكبحِ جرائمِهِ! الانطباعُ الذى يردُ على ذهنِ القارئِ لهذهِ المناشدةِ لن يتجاوزَ كونَهُ تعبيرًا عن أمرٍ من اثنينِ أولهما هو أنَّ حماسَ ما زالتْ تؤمنُ بفاعليةِ التدخلِ العربى والإسلامى فى مقاومتها لإسرائيلَ، والثانى أنها وصلتْ لحالةٍ من اليأسِ التى لم تجدْ معها سوى توجيهِ المناشدةِ لمن تعرفُ سلفًا أنَّهُ لن يقدمَ أو يؤخرَ فى تلبيةِ ندائِها!
العيبُ ليسَ على حماسَ أو غيرِها ممن يحيونَ أهوالَ الهمجيةِ الإسرائيليةِ فى غزةَ، فهذا نداءُ اليائسينَ، ولكنَّ العيبَ كلَّ العيبِ على من تركَ أهالى غزةَ فى هذا الوضعِ المخزى ولم يُحركْ ساكنًا من أجلِ تخفيفِ أو إنهاءِ المأساةِ القائمةِ هناكَ. دونَ خوضٍ فى تفاصيلَ معروفةٍ للكافةِ فإنَّ إسرائيلَ مارستْ وتمارسُ كلَّ ما يمكنُ من جرائمَ تمتْ وقد تتمُ على كلِّ الأصعدةِ الإنسانيةِ، حيثُ تجاوزتْ تل أبيبُ كلَّ الحدودِ هناكَ. لا يُعفى ذلكَ بالطبعِ المجتمعَ الدولى والضميرَ الإنسانى من عبءِ مواجهةِ ما يجرى، ولكنَّ الأمرَ مناطٌ بشكلٍ أساسى بالدولِ العربيةِ التى من المفترضِ أنها فى قاربٍ واحد.
على هذهِ الخلفيةِ ربما تُعتبرُ أزمةُ الحربِ على غزةَ كاشفةً للعديدِ من الجوانبِ على رأسِها تفككُ عُرى العروبةِ أو أنها لم تعدْ قائمةً من الأصلِ. وإذا أردنا الصراحةَ فإنَّ الواقعَ يؤكدُ أنَّ أطرافًا عربيةً تقفُ وبقوةٍ وراءَ الموقفِ الإسرائيلى وتُساندُهُ! وهذهِ أكبرُ الخيباتِ التى يمكنُ أنْ يتصورَها المواطنُ العربى. المشكلةُ أنَّ الكشفَ عن هذا الجانبِ يُعززُ حالةَ التشرذمِ العربى والانكشافِ بشكلٍ ربما يؤدى إلى ما يمكنُ وصفُهُ بـ«اللعبِ على المكشوفِ» للحدِّ الذى قد يتساءلُ معهُ بعضُ الأبرياءِ منَّا عن أينَ هى حُمرةُ الخجلِ؟
فى هذا الصددِ ربما يستدعى الموقفُ العربى المثلَ التقليدى بشأنِ الثورِ الأبيضِ، فمشكلةُ الكثيرِ من الأنظمةِ العربيةِ أنها تُفكرُ بذاتِ العقليةِ، تتصورُ أنَّ الخطرَ بعيدٌ عنها وأنها فى منأىً منهُ، ولن يطالَها سواءٌ بفعلِ صمتِها أو بفعلِ تواطؤِها، وهذا غيرُ صحيحٍ، فالدورُ عليها طالَ الزمنُ أمْ قصرَ! ولا نريدُ أنْ نضربَ أمثلةً لأنها كابوسيةٌ ولا شكَّ أنها ستقضُّ مضجعَ الكثيرِ من العائشينَ فى الوهمِ!
ليسَ هذا كلام إنشاء، صحيحٌ أنه يحملُ رؤيةً ربما تبعدُ عن التحليلِ السياسى ولكنهُ يعبرُ فى الوقتِ ذاتِهِ عن حالةٍ تجاوزتْ معها الأوضاعُ فى غزةَ كلَّ منطقٍ، أو ما يمكنُ وصفُهُ بتجاوزِ اللا معقولِ!
ومع الإعلاناتِ والتأكيداتِ الأمريكيةِ بأنَّ الرئيسَ ترامبَ سيقومُ بجولةٍ فى المنطقةِ مايو الجارى تشملُ دولًا عربيةً رئيسيةً هى السعوديةُ والإماراتُ وقطرُ، فإنَّ السؤالَ الذى يفرضُ نفسَهُ: ما هو وضعُ غزةَ فى محادثاتِ الرئيسِ ترامبَ مع القادةِ العربِ؟ وهل يمكنُ أنْ يأملَ البعضُ -مجردَ أملٍ- أنْ تكونَ النتيجةُ أو جزءٌ منها التخفيفَ من وطأةِ العملياتِ الإسرائيليةِ فى غزةَ؟ هل يمكنُ أنْ نأملَ فى أنْ يُكافئَ ترامبُ قادةَ العربِ فى الدولِ التى سيزورُها والذينَ كانوا كرماءَ فى التعاملِ معهُ بإعلانِ وقفِ الحربِ فى غزة؟
ليسَ من بابِ زرعِ الإحباطِ أو نشرِ اليأسِ، وإنما من بابِ مصارحةِ النفسِ بالحقائقِ تجنبًا للغوصِ فى الأوهامِ، القولُ بأنَّ ذلكَ ربما لا يكونُ على أجندةِ ترامبَ من الأصلِ! فى رأيى أنَّ الضعفَ العربى أصبحَ مستعصيًا على الفهمِ، وربما يتطلبُ علماءَ سياسةٍ من خارجِ الكوكبِ لفهمِ أسبابِهِ وأبعادِهِ!
[email protected]