معنى شهادة الطبيب

معنى شهادة الطبيب

لا يكادُ يومٌ يمرُّ إلا ونتابعُ فيهِ حديثًا فى وسائلِ الإعلامِ يرفضُ صاحبُهُ التهجيرَ القسرى للفلسطينيينَ، ويراهُ خروجًا على مبادئِ القانونِ الدولى واعتداءً على أبسطِ حقوقِ الإنسان.

وإذا كانتْ هناكَ ملاحظةٌ واحدةٌ يمكنُ أنْ تُؤخذَ على مثلِ هذهِ الأحاديثِ، فهى أنَّ التحذيرَ طولَ الوقتِ من التهجيرِ القسرى لا من سواه.. والحديثُ بهذهِ الصيغةِ يعنى أنَّ هناكَ تهجيرًا آخرَ، وأنَّ هذا التهجيرَ الآخرَ تهجيرٌ طوعى، وأنَّهُ يختلفُ عن القسرى، الذى يعنى تهجيرَ الفلسطينى من أرضِهِ بغيرِ رضاهُ.

الواقعُ يقولُ إنَّهُ لا وجودَ لما يُسمى التهجيرَ الطوعى فى طولِ أرضِ فلسطينَ المحتلةِ وعرضِها، وسواء كانتْ هذهِ الأرضُ فى قطاعِ غزةَ أو فى الضفةِ الغربيةِ.. فمن البديهى أنَّ التهجيرَ الطوعى يعنى أنْ يكونَ المواطنُ الفلسطينى مستقرًّا فى أرضِهِ، لا يُنغصُ حياتَهُ شىءٌ، ومع ذلكَ يُقررُ تركَ أرضِهِ والاتجاهَ للعيشِ فى أرضٍ أخرى.

فهل مثلُ هذا المعنى يتوفرُ فى أرضِ القطاعِ التى تعرضتْ لحربِ إبادةٍ زادتْ فى مداها الزمنى على عامٍ ونصفِ العامِ؟.. وهل هذا المعنى يتوفرُ فى غزةَ التى شهدَ على واقعِ الحالِ فيها طبيبٌ أمريكى زارها بعدَ وقفِ إطلاقِ النارِ فى 19 ينايرَ بأسبوعينِ؟ قالَ الطبيبُ فى شهادةٍ لهُ نشرتها مجلةُ نيويوركر الأمريكيةُ، إنَّ غزةَ صارتْ تُشبهُ هيروشيما اليابانيةَ بعدَ ضربِها بالقنبلةِ الذريةِ فى عامِ 1945؟

أرضٌ كهذهِ لو هاجرَ منها أصحابُها، فإنَّ هجرتَهم تصبحُ تهجيرًا قسريًّا لا طوعيًّا أبدًا، لا لشىءٍ، إلا لأنهم يتركونَها رغمَ أنوفِهم، ولأنَّ أى فلسطينى لو تركَها والحالُ فيها هكذا، فإنَّهُ يُغادرُها مُضطرًّا دونَ أنْ يكونَ أمامَهُ بديلٌ آخر.

ضبطُ الألفاظِ مطلوبٌ إذنْ، لأنَّ المائةَ فلسطينى الذينَ قالتْ عنهم حكومةُ التطرفِ فى تل أبيبَ إنهم غادروا بمعرفتِها إلى إندونيسيا، وأنهم بروفة لفكرةِ التهجيرِ الطوعى، لم يتركوا أرضَهم مُختارينَ حتى يمكنَ أنْ يُقالَ عنهم إنهم هاجروا طوعيًّا.. فهذا ما كانتْ الحكومةُ فى إسرائيلَ تُرَوِّجُ لهُ، ولكنهُ ليسَ من الحقيقةِ فى شىءٍ، إذا ما تطلعنا إلى القطاعِ من خلالِ الشهادةِ التى قالها الطبيبُ الأمريكى.

جربتِ الحكومةُ الإسرائيليةُ كلَّ حيلةٍ لدفعِ الفلسطينيينَ إلى الهجرةِ التى تُسميها هى هجرةً طوعيةً، ولكنها فشلتْ فى كلِّ مرةٍ، وجاءَ وقتٌ على وزيرِ الشؤونِ الاستراتيجيةِ الإسرائيلى ألمحَ فيهِ إلى فشلِ الفكرةِ.. ولا يبقى إلا أنْ تُصرحَ إسرائيلُ بما ألمحَ بهِ هذا الوزيرُ، فلا تُبددْ وقتَها فيما لنْ يُؤدى إلى شىءٍ.. فأرضُ فلسطينَ لأهلِ فلسطينَ.