مئة ألف مصنع هدف طموح ولكن..

مئة ألف مصنع هدف طموح ولكن..

أنا واحد من المؤمنين بأن الصناعة قاطرة أساسية فى التنمية المستهدفة لأى دولة، فلا تطور ونمو دون نهضة صناعية شاملة تزيد من قدرات الصناعة الوطنية على اختراق مختلف الأسواق العالمية، بما يمكنها من توفير فرص عمل كثيفة لأجيال جديدة من المتخرجين.

لذا، فقد تابعت باهتمام بالغ تصريحات الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والنقل فى الأسبوع الماضى بشأن القطاع الصناعى، وسعدت بهدف الحكومة الطموح للوصول بعدد المصانع القائمة إلى مئة ألف مصنع بحلول عام 2030.

لقد ذكر السيد الوزير أنه تم منذ 3 يوليو 2024 تم إنشاء 4382 مصنعًا، وأن هذه المصانع وفرت نحو 230 ألف فرصة عمل. وذكر أيضًا أن الإنتاج الصناعى فى مصر بلغ حوالى 76 مليار دولار خلال عام 2024، وأنه من المستهدف زيادته إلى نحو 170 مليار دولار بحلول عام 2030. فضلًا عن ذلك، فإن قيمة صادرات القطاع الصناعى بلغت نحو 34 مليار دولار ومن المستهدف الوصول بها إلى 145 مليار دولار خلال خمس سنوات.

ولا شك أن هذه الطموحات والأهداف عظيمة وجيدة، وتعكس وعيًا حكوميًا حقيقيًا بأهمية قطاع الصناعة، وضرورة تحديثه وتطويره ليصبح قطاعًا رائدًا يساهم بشكل فعال فى تحقيق النمو المنشود، ويساعد فى توفير فرص العمل، مثلما هو الجارى فى بلدان متقدمة ومتطورة.

غير أن النظر بعمق إلى المتحقق والمستهدف يدفعنا دفعًا إلى التأكيد على عدة اعتبارات نراها جوهرية فيما يخص خطة النهوض الصناعى، أولها أن العبرة ليست فى عدد المصانع القائمة والمنشأة حديثًا، وإنما فى حجم الإنتاج المتحقق، ومدى تطور المنتج المحلى وقدرته على التواجد فى الأسواق العالمية. إن مصنعًا واحدًا متطورًا ومتقدمًا ولديه قدرات تنافسية عالية، أفضل كثيرًا من مئة مصنع تقليدى لا أسواق له ولا خطط خارجية.

ثانى الاعتبارات يتطلب إشارة واضحة إلى ماهية المصانع الجديدة المفترض إضافتها، ومدى تغطيتها لمجالات جديدة يمثل الإنتاج فيها إحلالًا لواردات لم تكن تنتج فى بلادنا. فهنا، فإن كل خفض واقعى ومدروس لفاتورة الاستيراد يصب فى صالح الاقتصاد الكلى.

وثالثها يتمثل فى ضرورة أن تُنشأ المصانع الجديدة بغرض التصدير أولًا، لأنه يعنى دخلًا من العملات الصعبة، وهو ما يتطلب تيسيرات وإجراءات تتجاوز مجرد تخصيص الأراضى، والموافقة على المشروعات الجديدة. إن هناك سلسلة من الإجراءات البيروقراطية التى ما زالت تمثل عائقًا أمام قيام كثير من المصانع بالتصدير. وفى هذا الصدد، فإننا نؤكد مثلًا أن المساندة التصديرية هى نظام متبع فى معظم البلدان التى حققت طفرات كبيرة فى التصدير، ولا ينبغى التعامل معها باعتبارها دعمًا فى غير محله. ولا شك أن سرعة صرف المساندة وتيسير إجراءاتها يمثل ضرورة قصوى لتشجيع المنشآت الصناعية بشكل عام على التوجه إلى الأسواق الخارجية. كذلك فيجب التأكيد على أن هناك أمورًا عديدة تعوق زيادة الصادرات ولا تقع مسئوليتها فى نطاق مهام وزارة الصناعة، ففى بعض الأحيان تواجه الشركات عوائق ومشكلات تمويلية أو لوجستية وهو ما يدفع لأهمية تفعيل المجلس الأعلى للصادرات وتطوير أدائه.

ولا شك أيضًا أننا فى حاجة لتأكيد ضرورة أن تكون المصانع الجديدة تابعة للقطاع الخاص، وليست حكومية لأن التجربة العملية أثبتت أن الحكومة صانع تقليدى وتاجر خاسر، وأن الطفرات الحقيقية التى تحققت فى الصناعة المصرية خلال التسعينيات وما بعدها، تحققت بفضل طموح وجرأة وسعى القطاع الخاص. إن أى حكومة يمكنها الإعلان كل يوم عن إنشاء مصانع جديدة، لكن النجاح الحقيقى لها، هو أن تنشئ المناخ المشجع والمحفز للقطاع الخاص لإقامة صروحه الصناعية، لأن قصص النجاح الخاصة هى ما يحفز الاستثمارات العالمية للقدوم، وهو ما يعد لازمًا لأى خطة تنمية حقيقية.

وسلامٌ على الأمة المصرية