«حبة الغلة»..انتحار ببلاش

«حبة الغلة»..انتحار ببلاش

«الصحة»: محرمة دوليًا وممنوع تداولها.. والأطباء يطالبون بالبحث عن بديل آمن

 

 «حبة الغلة» لم تعد وسيلة لحماية المحاصيل فقط، بل تحولت إلى أداة قتل صامتة، تحصد الأرواح فى لحظات وبين غياب الرقابة وضعف التوعية، تظل حياة الأبرياء، خاصة من الشباب، معرضة لخطر «الموت المجانى». 

تحصد «حبة الغلة» أرواح العشرات سنويًا فى محافظات الجمهورية، بعدما تحولت من وسيلة لحفظ الغلال إلى أداة انتحار سريعة. «الحبة الصغيرة» المعروفة علميًا باسم «فوسفيد الألمنيوم»، تباع فى الأسواق الزراعية بثمن زهيد، إلا أن تأثيرها القاتل لا يرحم، حيث تؤدى إلى فشل حاد فى أجهزة الجسم بمجرد تناولها، مع غياب تام لمضاد فعال يمكن إنقاذ الضحية به.

انعدام الرقابة على تداول هذه الحبة القاتلة، جعل منها وسيلة شائعة لأصحاب النفوس الضعيفة وبعض الشباب فى التخلص من الحياة، ونتيجة لسهولة الحصول عليها وإيجادها فى العديد من المحال التجارية، تحولت إلى قاتل يداهم البيوت وخاصة القرى والأرياف.

فى هذا الملف توضح «تواصل» طرق حماية الأوراح من «الحبة السوداء» للحد من استخدامها الخطأ وخاصة الشباب فى التخلص من الحياة، من خلال بيعها فى الجمعيات الزراعية فقط ومنع تداولها فى الأسواق بشكل يهدد حياة المواطنين.

 

 

أسيوط

الخطر يتسلل فى قرص صغير الحجم

 

فى محافظة أسيوط، حيث تمتزج رائحة الحقول بعرق البسطاء، لم تعد الحياة كما كانت، فى بيوتٍ متواضعة ترويها الأحلام، تسلل الخطر فى شكل «قرص صغير» لكنه يحمل معه نهاية قاسية، إنها «حبة الغلة»؛ المبيد الزراعى الذى تحول إلى وسيلة انتحار مرعبة، تخطف أرواح الشباب فى لحظة يأس، وتترك خلفها أمهات مكلومات وقرى مذهولة لا تجد تفسيرًا سوى الصمت.

فى الأصل، تُستخدم «حبة الغلة» لحفظ المحاصيل من التسوس والقوارض، خاصة القمح والذرة، لكنها فى محافظة أسيوط – كما فى محافظات أخرى – تحولت إلى أداة موت سريعة وسهلة، لا تحتاج أكثر من دقائق معدودة لتنتهى معها الحياة، سعرها لا يتجاوز الجنيهات القليلة، وتباع فى محال المبيدات بلا ضوابط ولا مراقبة حقيقية.

يؤكد أهالى محافظة أسيوط، أن الحصول على هذه الحبة لا يتطلب تصريحًا ولا حتى سؤالًا، ما يجعلها فى متناول أيدى الجميع، ومع ازدياد ضغوط الحياة، وانتشار الإحباط بين الشباب، وجدت هذه الحبة طريقها إلى أيدى شباب لم يجدوا بديلًا ولا معينًا.

حسب تصريحات أطباء السموم فى مستشفيات أسيوط، فإن خطورة «حبة الغلة» تكمن فى تفاعلها داخل المعدة، حيث تطلق غاز الفوسفين السام، ما يؤدى إلى تسمم حاد لا تنفع معه معظم محاولات الإنقاذ، أعراضها تشبه التسمم الغذائى فى البداية، لكنها تتطور بسرعة مذهلة إلى فشل فى القلب، الكبد، والكلى، ما يجعل فرص النجاة شبه معدومة.

وآخر الحصاد المؤلم لتلك الحبة القاتلة فى محافظة أسيوط الشهر الماضى حيث أقدم شاب فى العقد الثانى على إنهاء حياته بتناول حبة حفظ الغلال السامة، المعروفة بـ«الحبة القاتلة»، داخل منزله بقرية الإقادمة التابعة لمركز أبوتيج، جنوب محافظة أسيوط، وذلك بسبب خلافات عائلية.

وبسؤال أقارب الشاب من قِبَل رجال المباحث، أكدوا أنه كان يواجه مشكلات عائلية دفعته إلى الإقدام على الانتحار، وحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وناشد أهالى القرى بمحافظة أسيوط، فى ظل تزايد حالات الوفاة المفجعة، بسرعة التدخل لحظر تداول «الحبة القاتلة» فى محال المبيدات الزراعية، والعمل على قصر بيعها وتوزيعها من خلال الجمعيات الزراعية فقط، مع ضرورة تسجيل البيانات الكاملة للمشترى، لضمان تتبع حركة تداولها والحد من تسربها إلى غير المستهدفين بها من المزارعين.

 

البحيرة

تتصدر المحافظات فى حالات الانتحار

 

تشهد محافظة البحيرة ارتفاعًا ملحوظًا فى حالات الانتحار باستخدام «حبة الغلة» السامة، التى باتت تعرف إعلاميًا بـ«حبة الموت»، نظرًا لقدرتها الفائقة على إنهاء الحياة خلال ساعات معدودة، وبتكلفة زهيدة لا تتجاوز 25 جنيهًا.

ووفقًا لدراسة صادرة عن مركز السموم بجامعة الإسكندرية، فإن محافظة البحيرة تعد من أعلى المحافظات فى معدلات الانتحار باستخدام هذه المادة القاتلة، ما يستدعى تحركًا عاجلًا على كافة المستويات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

تنتشر حبوب الغلة بشكل كبير فى قرى البحيرة، حيث يستخدمها الفلاحون لحفظ وتخزين القمح من التسوس بعد الحصاد، ورغم هذا الاستخدام الزراعى المشروع، إلا أن سهولة توافرها فى محال المبيدات الزراعية ورخص ثمنها جعلاها وسيلة مثالية لمن يرغب فى التخلص من حياته.

يقول محمد سلامة، مزارع بإحدى قرى البحيرة، نستخدم حبة الغلة منذ سنوات طويلة لتخزين القمح، لكن فى السنوات الأخيرة بدأ البعض يستغل سهولة الحصول عليها لإنهاء حياته، خاصة أنها متوفرة فى محال المبيدات ورخيصة الثمن مطالبًا بتشديد الرقابة على بيع حبة الغلة.

وتعبر حنان سعد، ربة منزل، عن قلقها من انتشار هذه المادة القاتلة، وتطالب بـتشديد الرقابة على بيعها واقتصار تداولها على الجمعيات الزراعية وبكميات محددة بناءً على الحيازة الزراعية، لضمان استخدامها فى الغرض الزراعى فقط، ومنع تسربها للأسواق العامة.

أما صابر خليل، موظف، فدعا إلى دراسة علمية متعمقة من خبراء النفس والاجتماع لبحث الأسباب الكامنة وراء تفشى حالات الانتحار، خصوصًا بين الفئات العمرية الصغيرة، مطالبًا بزيادة التوعية الدينية، خاصة من جانب علماء الأزهر، لغرس قيمة الحياة فى نفوس الشباب.

وتوضح الدكتورة نهاد حامد جاد، مدرس الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية الطب – جامعة الإسكندرية، أن «حبة الغلة» تحتوى على مادة فوسفيد الألمنيوم (Aluminium Phosphide)، والتى تتفاعل مع رطوبة المعدة أو المياه لتنتج غاز الفوسفين السام.

وتابعت:هذا الغاز يتم امتصاصه عبر الجهاز الهضمى وينتقل إلى الدم، ويؤثر بشدة على عضلة القلب والأوعية الدموية، ما يؤدى إلى فشل حاد فى القلب، وهبوط شديد بالدورة الدموية، بالإضافة إلى التهابات قاتلة فى المرىء والمعدة والأمعاء.

 

الدقهلية

مبيد زراعى يتحول إلى وسيلة انتحار رخيصة

 

 

 

فى قرى محافظة الدقهلية، لم تعد «حبة الغلة» مجرد مبيد حشرى يستخدم لحفظ الحبوب من التسوس والقوارض، بل تحولت إلى كابوس حقيقى يهدد حياة الشباب والأطفال، بعد أن أصبحت وسيلة انتحار شائعة وسريعة، فى ظل غياب الضوابط والرقابة.

«حبة الغلة» التى تحتوى على مادة فوسفيد الألمنيوم تستخدم بكثافة فى تخزين القمح والذرة والبطاطس، وتباع فى الأسواق تحت أكثر من عشرة أسماء تجارية مثل: شينفوس، سيلفوس، فون تكس، فومكسين، كويكفوس، جاستوكين، وغيرها.

رغم فاعليتها كمبيد، فإن سهولة الحصول عليها وسعرها الزهيد جعلاها وسيلة مفضلة للانتحار، خصوصًا فى الريف، حيث ارتفعت معدلات الوفيات المرتبطة بابتلاع هذه الحبة القاتلة، والتى يستورد أغلبها من الهند والصين.

وبحسب الأطباء، فإن خطورة حبة الغلة تكمن فى أنها تتفاعل مع عصارة المعدة فور ابتلاعها، مطلقة غاز الفوسفين السام، الذى يتسبب فى تسمم حاد يؤثر على القلب والكبد والكلى، والأخطر أن الأعراض الأولية للتسمم قد تشبه التسمم الغذائى، ما يؤخر التدخل الطبى.

الدكتور السعيد عبدالمعين، رئيس وحدة السموم بمستشفى أجا المركزى بمحافظة الدقهلية، أكد أن لا ترياق معروف للفوسفين حتى الآن، وهو ما يجعل إنقاذ الحالات شبه مستحيل، ووصف الحبة بأنها «القاتل الصامت»، الذى يقتل فى غضون ساعة واحدة فقط من التناول.

وشدد «عبدالمعين» على ضرورة حظر تداول هذه الحبة أو على الأقل إخضاعها لضوابط صارمة، مثل تسجيل بيانات المشترين ومنع بيعها لمن هم دون سن الرشد، واقتصار صرفها على الحائزين لأراضٍ زراعية، بحسب المساحة المزروعة.

أما الطبيب السيد نوح، فطالب بقرار حكومى عاجل لحظر تداول هذه المادة نهائيًا، أسوة بعدد من الدول التى اتخذت هذه الخطوة بعد تزايد حالات الانتحار المرتبطة بها، مشيرا إلى أن مسئولية الوقاية لا تقع على الحكومة وحدها، بل على الأسر أيضًا، داعيًا إلى متابعة الأبناء وتقليل تعرضهم للمحتوى السلبى على الإنترنت.

«توعية ورقابة»

وأكد «نوح» أهمية تكثيف الحملات التوعوية من قبل وزارتى الزراعة والصحة، إلى جانب فرض رقابة صارمة على محال بيع المبيدات، وتحرير محاضر للمخالفين.

 

الفيوم

متاحة لكل الأعمار فى الأسواق

 

 

 

تعتبر «أقراص حفظ الغلة» المبيد الحشرى الأوسع استخداما فى القرى والعزب بالفيوم لحفظ الحبوب وحماية المحاصيل الزراعية من التسوس والحشرات الضارة خلال فترة التخزين.

وشهدت محافظة الفيوم فى السنوات الأخيرة العديد من حوادث الانتحار باستخدام «حبة الغلة» التى تقتل الشباب خلال ساعات معدودة، كونها الأداة الأرخص والأكثر انتشارا.

زوجة وطفلتاها.. آخر ضحايا حبة الغلة السوداء بالفيوم 

وكان آخر هذه الحوادث ما شهدته قرية دفنو التابعة لمركز إطسا بالفيوم، اليوم الأحد الموافق 6 أبريل، عقب قيام سيدة تبلغ من العمر 27 عاما، بشراء حبة الغلة السوداء ووضعها فى مشروب لها وطفلتيها فاطمة 7 سنوات ولميس 5 سنوات، ما تسبب فى وفاتهن على الفور وذلك بسبب وجود خلافات زوجية بين الزوجة وزوجها.

وتحتوى «حبة الغلة» على فوسفيد الألمونيوم بشكل مركز وتباع تحت أسماء تجارية مختلفة، معظمها مستورد من الخارج، وحتى وقت قريب، وقبل قصر بيعها على الصيدليات، كان يمكن الحصول على هذه «الحبة» من دكاكين البقالة ومحلات بيع المبيدات الزراعية فى القرى دون سؤال المشترى عن الغرض من استخدامها قبل بيعها.

ويقول مصطفى عبدالحميد، مزارع بقرية منشأة عبدالمجيد بالفيوم، إن حبة الغلة تباع فى دكاكين البقالة ومحلات بيع البويات والحدايد دون أدنى رقابة، مشيرًا إلى أنه يتم تداولها طوال العام وليس خلال فترة حصاد القمح فقط وهو ما جعلها سهلة الوصول إليها من جميع المواطنين.

وناشد المسئولين أن يتم توزيعها على مزارعى القمح من خلال إدارة المكافحة بالإدارات الزراعية، على أن يقوم بالتوقيع على تعهد باستخدام الكمية المقررة له فى غرض حفظ الغلال وفى حالة وصول تلك الحبة إلى ذويه يكون مسئولا عن ذلك، وقد لا يمنع ذلك الحوادث بشكل كلى ولكن قد يساعد على ذلك مع تشديد الرقابة على الأسواق ومن يتاجر بها.

وأضاف وائل ممدوح عبدالعزيز أن حبة الغلة يجب أن يتم توزيعها طبقا للمساحات المزروعة بمحصول القمح، حتى نضمن عدم تسريبها إلى المحلات والأسواق التى لا تخضع لرقابة الإدارة الزراعية، أو العمل على استبدالها بحبوب أخرى لا تحتوى على غاز الفوسفيد القاتل والذى يفتك بمن يتناول هذه الحبة فى دقائق معدودة مع سن قوانين صارمة ضد من يتاجر بها بعيدا عن الجهات المعنية.

 ونفذت إدارة المكافحة بمديرية الزراعة عدد من الندوات الإرشادية عن أقراص حفظ الغلة وكيفية استخدامها بالطريقة الصحيحة وذلك بحضور المزارعين، نظرا لخطورة مادة الأمونيوم فوسفيد وهى المادة الفعالة فى أقراص حفظ الغلة، والمستخدمة لمنع تسوس محاصيل القمح والذرة وكافة الحبوب الزراعية، وحمايتها من الحشرات الضارة، وذلك لتعريف المزارعين بحبة الغلة التى تحتوى على فوسفيد الألمونيوم وكيفية استخدامها بالطريقة المثلى فى تبخير الحبوب والبقوليات لمكافحة حشرات المخازن خلال فترة التخزين، وكيفية التخلص من متبقيات الأقراص بعد انتهاء فترة التبخير بطريقة آمنة، وكذلك كيفية التعامل مع حبة الغلة فى حالة الاستخدام الخاطىء أو فى حالة حدوث تسمم، وطرق التخزين السليم للحبوب لوقايتها من الإصابة الحشرية.

وكان الدكتور أحمد الأنصارى محافظ الفيوم عقد اجتماعًا موسعًا فى هذا الشأن، مع مسئولى الزراعة، والصحة، والتموين، وجهاز حماية المستهلك، وفرع الهيئة القومية لسلامة الغذاء، ومرفق الإسعاف، لبحث آليات منع انتشار أقراص فوسفيد الألومونيوم المعروفة باسم «حبة الغلة» التى يستخدمها الفلاحون كوسيلة رخيصة لحفظ الغلال من حشرة سوسة القمح، وتجريم تداولها بمحال بيع المبيدات والصيدليات البيطرية، حفاظاً على سلامة المواطنين. 

واستعرض وكيل وزارة الصحة، خلال اللقاء الإسعافات الأولية والطرق الوقائية التى يجب اتباعها عند ابتلاع أقراص مقاومة سوسة القمح، لافتاً إلى أن هذه الأقراص أحد الوسائل رخيصة الثمن التى يتم استخدامها للحفاظ على سلامة الأقماح من التسوس، إلا أنها محرمة دولياً وممنوع تداولها لأنها شديدة السمية وقاتلة للإنسان.

وخلال اللقاء وجه محافظ الفيوم بتشكيل لجنة بكل مركز من مراكز المحافظة، على أن تكون اللجنة برئاسة مدير الادارة الزراعية، وعضوية كل من: مدير إدارة مكافحة الآفات بالادارة، وممثلين عن التفتيش الصيدلى بمديرية الصحة، والتموين، والطب البيطرى، وهيئة سلامة الغذاء، وجهاز حماية المستهلك، للمرور على كافة محلات بيع المبيدات الرسمية وغير الرسمية، والصيدليات البيطرية، وعمل مسح شامل لها ومصادرة أى أقراص يتم ضبطها، واتخاذ كافة الاجراءات القانونية اللازمة.