الأشهر الحُرُم.. لماذا سميت بهذا الاسم؟ وما سر عظمتها في الإسلام؟

في قلب التقويم الهجري، تقف أربعة أشهرٍ لها مكانة استثنائية في الإسلام، يُطلق عليها “الأشهر الحُرُم”، وهي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب، وهذه الأشهر ليست كغيرها من شهور السنة، فقد اختصها الله تعالى بمزيدٍ من الحُرمة والتقديس، وجعل لها أحكامًا خاصة تُعلي من شأنها، وتمنحها وزنًا روحيًا واجتماعيًا عظيمًا في حياة المسلمين.
لماذا سُميت “الأشهر الحُرُم” بهذا الاسم؟
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن تلك الأشهر جاءت تسميتها بـ”الحُرُم” لزيادة حرمتها وعِظَم المعصية فيها، ولأن القتال فيها كان محرَّمًا إلا للضرورة القصوى، وذلك احترامًا لقدسيتها وحرصًا على تحقيق السِّلم والأمن بين الناس.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217].
أي أن القتال في هذه الأشهر جُعل من الكبائر لما فيه من انتهاك لحرمة الزمان الذي عظَّمه الله عز وجل، وجعل فيه الأمن والسكينة شعارًا وسلوكًا يجب التزامه.
ما هي الأشهر الحُرُم؟ ومتى تبدأ؟
وتابع المركز: بيَّن النبي ﷺ هذه الأشهر بوضوح في الحديث الذي رواه البخاري عن الصحابي الجليل أبي بكرة نُفيع بن الحارث رضي الله عنه، حيث قال رسول الله ﷺ:«ألا إنَّ الزمان قد استدار كهيئتِه يومَ خلق اللهُ السماواتِ والأرضَ، السنة اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثةٌ متوالياتٌ: ذو القعدةِ، وذو الحجةِ، والمحرم، ورجبُ مُضَر الذي بين جمادى وشعبان». [رواه البخاري]
فهذه الأشهر الأربعة حددها الشرع بشكل دقيق:ذو القعدة: الشهر 11 في التقويم الهجريذو الحجة: الشهر 12، وفيه أداء الحجالمحرَّم: أول شهور السنة الهجريةرجب: الشهر 7، ويقع منفردًا عن الثلاثة الأخرى
وسُمِّي رجب بـ”رجب مُضَر” تمييزًا له عن رجبٍ آخر كان يُعدّه بعض العرب، فنسبه النبي ﷺ إلى قبيلة مُضَر لأنهم كانوا يحترمونه أشدّ الاحترام، فوافق توقيتهم توقيت الشرع.
ما الحكمة من تحريم القتال فيها؟
ووضح المركز أن الحكمة من تحريم القتال في هذه الأشهر – كما قال العلماء – هي إرساء قواعد السلم والأمن، خاصة أن العرب قبل الإسلام كانوا يجعلون هذه الأشهر موسمًا للتنقل والتجارة والحج، فكان من الضروري تأمين الطرق وحماية الأنفس حتى يؤدِّي الناس عباداتهم ويتبادلوا مصالحهم دون خوف أو اعتداء.
ثم جاء الإسلام فأقرّ حرمتها، وأكد أنها جزء من نظام إلهي أخلاقي يسعى لبناء مجتمع آمن لا تغلب عليه النزاعات الدموية، ولا تُهدر فيه الحقوق في لحظات الغضب أو الطمع.
ما فضل العمل الصالح فيها؟ وهل المعاصي تُضاعف؟
نعم، أجمع العلماء على أن العمل الصالح يتضاعف فيها أجره، وأن الذنوب تعظم فيها حرمتها وإن لم تُضاعف عددًا، فهي شهور تُعدّ فرصًا ذهبية للتوبة والإكثار من الذكر والصلاة والصيام.
قال الإمام القرطبي:”العمل الصالح في الأشهر الحرم أعظم أجرًا، والظلم فيها أعظم إثمًا، وإن كان الظلم في كل حينٍ عظيمًا”.
ولذلك نجد أن السلف الصالح كانوا يحرصون فيها على التفرغ للعبادة وتهذيب النفس، ويزيدون من الاستغفار والتوبة، ويجتنبون حتى صغائر الذنوب، توقيرًا لما عظَّمه الله.
رسالة لكل مسلم ومسلمة:
إن معرفة قيمة الأشهر الحُرُم تُعيدنا إلى المعاني العميقة للسلم والتقوى في الإسلام. فليس الغرض منها فقط الامتناع عن القتال، بل هي دعوة لتهذيب السلوك، وتطهير القلب، ونشر الأمان بين الناس.
لذا، دعونا نستثمر هذه الأشهر في مراجعة النفس، وفي الإكثار من الطاعات، وتجنّب الفتن والنزاعات، حتى نكون من الذين يعظمون ما عظّم الله، ويغتنمون المواسم الربانية بما يليق بها من إجلال وخشوع.