سحرُ الأشجارِ وآلامُ الفراقِ

أحدُ الزملاءِ فى رحلةِ الصينِ سألنى مستغربًا ومندهشًا لقيامى بتصويرِ الأشجارِ على طولِ الطريقِ، والحقيقةُ أنَّ سيطرةَ الأشجارِ فى الطرقِ والشوارعِ وفى الجبالِ وفى كلِّ مكانٍ أمرٌ يُضفى جمالًا وسحرًا، ودولةُ الصينِ تُشكّلُ ربعَ مساحةِ العالمِ من المساحاتِ الخضراءِ، فعلى جانبى الطريقِ لا يقلُّ عن ٣٠ مترًا على اليمينِ و٣٠ مترًا على اليسارِ أشجارٌ، ويبدو أنهم فى السنواتِ الأخيرةِ استخدموا أحدَ الأنواعِ من الأشجارِ يتسمُ بالطولِ وليسَ لهُ فروعٌ تمتدُّ جانبيهِ، وبذلكَ يمكنُ زراعةُ شجرةٍ وتركُ مساحةِ مترٍ وزراعةُ شجرةٍ أخرى، ومن هنا يمكنُ استغلالُ هذهِ الكثافةِ باعتبارِها ثروةً خشبيةً ويمكنُ تقطيعُها تباعًا، فعلى مساحةِ الثلاثينَ مترًا يمكنُ زراعةُ عشرينَ شجرةً، وكلَّ عامٍ يمكنُ تقطيعُ خمسِ أشجارٍ فهو استثمارٌ مزدوجٌ وهى ثروةٌ كبيرةٌ أو كما يقولُ الرئيسُ الصينيُّ شى جين بينغ أنَّ المياهَ الصافيةَ والجبالَ الخضراءَ هى الكنزُ الحقيقيُّ فى العصرِ الحديثِ، والحقيقةُ إننى مهتمٌ بهذا الأمرِ وقد أنشأتُ فى عامِ ٢٠٠٥ جمعيةَ صحارى وكانَ من أنشطتِها مكافحةُ التصحرِ لعلمى بضرورةِ أنَّ هناكَ مخاطرَ كبيرةً نتيجةَ التغيرِ المناخيِّ الناتجِ عن عوادمِ السياراتِ والمصانعِ والثروةِ الصناعيةِ، والحلُّ البسيطُ الذى لا بدَّ منهُ هو زيادةُ مساحةِ الأشجارِ فى كلِّ مكانٍ، فهذا الأمرُ سيمتصُّ انبعاثاتِ ثانى أكسيدِ الكربونِ والملوثاتِ الأخرى من الهواءِ وإنتاجِ الأكسجينِ النقيِّ ويُساهمُ فى تلطيفِ الجوِّ بتخفيضِ درجةِ الحرارةِ وتوفيرِ الظلِّ، وكلُّ تلكَ الأشياءِ وغيرها ستُعززُ الصحةَ العامةَ للمواطنينَ بتوفيرِ أكسجينٍ نقيٍّ فى كلِّ مكانٍ، والصينُ أدركتْ ذلكَ فتبنّتْ مشروعًا قوميًا لمكافحةِ التصحرِ وقامتْ بزراعةِ كلِّ ما يمكنُ زراعتُهُ حتى الجبالُ الصعبةُ تمَّ تشجيرُها، ولذلكَ وأنتَ فى الصينِ تستمتعُ بالأكسجينِ النقيِّ، والغريبُ أننا فى مصرَ لا نهتمُّ بالمساحاتِ الخضراءِ والتشجيرِ وكأنهُ شىءٌ غيرُ نافعٍ بل هناكَ مسؤولونَ فى المحلياتِ يرونهُ ضارًا ويقومونَ بإزالةِ الأشجارِ وإلغاءِ المنتزهاتِ والحدائقِ وأصبحتْ سِمةً عامةً حتى أنهم قاموا بإزالةِ أشجارٍ تاريخيةٍ فى مناطقَ راقيةٍ كالزمالكِ مما أثارَ غضبَ المثقفينَ فى تلكَ المناطقِ، وكثيرًا ما انتويتُ أنْ أكتبَ عن عبثِ المحلياتِ فى تقطيعِ الأشجارِ لأنهُ أمرٌ غريبٌ وعجيبٌ وهى جريمةٌ كاملةُ الأركانِ، وكم نتألمُ لفقدِ وفراقِ تلكَ الأشجارِ، فبدلًا منْ أنْ نقومَ بتكثيفِ زراعةِ الأشجارِ نقومُ بإزالتِها، وفى محافظةِ المنيا قاموا باقتطاعِ جزءٍ كبيرٍ من كورنيشِ النيلِ لإقامةِ مشروعاتٍ دونَ النظرِ لاعتبارِها متنفسًا لأهالى المنيا وقاموا بأخذِ نصفِ الطريقِ لإقامةِ أكشاكٍ وتمَّ إلغاءُ منتزهٍ بينَ العماراتِ وتمَّ بناءُ مقهىً فى أرضِ سلطانٍ وأخطروا المسؤولينَ عن حديقةِ الطفلِ بتركِ المكانِ لاستغلالِهِ ماليًّا، وفى الحقيقةِ أنَّ هذهِ العماراتِ ليسَ بها مناورُ داخليةٌ وتركَ المصممُ هذهِ المساحةَ وهى تُقدرُ بـ ٣٠% خارجيةً وتمَّ عملُ حديقةٍ للطفلِ وسطَ العماراتِ لخدمةِ أهالى الحيِّ فيريدُ أعداءُ البيئةِ تدميرَ كلِّ ما هوَ جميلٌ ويعصفونَ بحقوقِ الملاكِ عرضَ الحائطِ، وفى أبراجِ الجامعةِ أحدُ المتخللاتِ التى تركتْها جمعيةُ الإسكانِ كجراجٍ مفتوحٍ ومتنفسٍ للعماراتِ قاموا ببناءِ أكشاكٍ وتأجيرِها ويجلسُ الجزارُ وصبيانُهُ بالشيشةِ ويتحولُ الحيُّ الراقيُّ إلى أحدِ البؤرِ العشوائيةِ، ومدينةُ المنيا الجديدةُ صحراءُ قاحلةٌ ولقد تحدثتُ مع رئيسِ الجهازِ فوعدَ بتشكيلِ لجنةٍ هناكَ ثقافةٌ للقبحِ دخيلةٌ على مجتمعِنا فمصرُ كانتْ بلدَ المنتزهاتِ والحدائقِ وقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لو قامتِ الساعةُ وفى يدِ أحدِكم فسيلةٌ فليزرعْها ويبقى هذا المشهدُ البديعُ فى الصينِ يستحقُّ التصويرَ.