محمد أحمد فؤاد أمين الخبير العقاري بدبي: قانون الإيجار القديم في مصر: هل آن أوان الحل العادل؟

محمد أحمد فؤاد أمين الخبير العقاري بدبي:  قانون الإيجار القديم في مصر: هل آن أوان الحل العادل؟

 

  

تُعد أزمة الإيجار القديم واحدة من أقدم القضايا العقارية والاجتماعية التي لم تُحسم بعد في مصر، حيث تسببت في حرمان عشرات الآلاف من الملاك من حقوقهم المشروعة في الانتفاع العادل بممتلكاتهم. وفي المقابل، لا يزال بعض المستأجرين يتمتعون بإيجارات رمزية لا تعكس بأي حال من الأحوال القيمة السوقية الحقيقية للوحدات السكنية، ولا تتوافق مع الواقع الاقتصادي الراهن.

خلل قانوني واقتصادي ممتد

القانون المنظم لعقود الإيجار القديم، الذي وُضع في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في ظروف اقتصادية واجتماعية استثنائية، كان يهدف لحماية الفئات محدودة الدخل في أعقاب الحروب والتقلبات الاقتصادية. ورغم مرور العقود وتغير الظروف، لم يشهد هذا القانون أي تعديلات جوهرية، ما أدى إلى خلل واضح في سوق العقارات، وجمّد حركة الاستثمار العقاري، ودفع العديد من الملاك للعزوف عن تأجير ممتلكاتهم خشية الوقوع في “فخ الإيجار القديم”.

مقترح للحل: التدرج في الإصلاح

لحل هذه الإشكالية بشكل عادل ومتوازن، يجب تبني رؤية إصلاحية تراعي حقوق جميع الأطراف، وتقوم على محورين رئيسيين:
1. خطة زمنية تدريجية:
وضع خارطة طريق تمتد بين 5 إلى 10 سنوات، يتم خلالها رفع القيمة الإيجارية تدريجيًا وفقًا لمؤشرات التضخم والتغيرات في أسعار السوق، حتى تصل إلى قيمة عادلة تعكس واقع العقار.
2. إعادة التفاوض الإلزامي:
سن تشريع يلزم المالك والمستأجر بإعادة التفاوض حول شروط العقد خلال فترة زمنية محددة، مع منح حوافز للمستأجرين المنتظمين في الدفع، وتوفير دعم حكومي أو من جهات مانحة للفئات غير القادرة، من خلال إنشاء صندوق دعم خاص.

فوائد الإصلاح
• تنشيط السوق العقاري وزيادة المعروض من الوحدات.
• تحقيق العدالة للملاك من الناحية القانونية والاقتصادية.
• زيادة الحصيلة الضريبية الناتجة عن عقود إيجار محدثة.
• دعم الفئات غير القادرة بطريقة مباشرة ومنظمة.

الخلاصة

إن تأجيل حل أزمة الإيجار القديم لم يعد خيارًا، إذ أن معالجتها لا تعني بالضرورة الإضرار بالمستأجرين أو تهجيرهم، بل تتطلب إعادة صياغة العلاقة التعاقدية بشكل منصف ومتوازن يكفل الحقوق لجميع الأطراف. فكما من حق المستأجر العيش في مسكن كريم، فإن من حق المالك أيضًا أن يجني ثمرة ملكه، بعد سنوات من التجميد والحرمان.
ورغم تعقيد المشهد، فإن تجارب عالمية متنوعة تقدم دروسًا مهمة يمكن لمصر الاستفادة منها في بناء حلول عادلة، واقعية، وعصرية.

1. الزيادة التدريجية المرتبطة بمؤشرات التضخم (نموذج ألمانيا)

في ألمانيا، يُسمح للملاك برفع الإيجار وفقًا لمؤشرات رسمية للتضخم وبحد أقصى سنوي يحدده القانون، ما يخلق توازنًا بين حقوق المالك وقدرة المستأجر. يمكن لمصر تبني خطة مشابهة تمتد من 5 إلى 10 سنوات للوصول إلى القيمة السوقية العادلة.

2. صندوق دعم للإيجار الانتقالي (نموذج فرنسا)

أنشأت فرنسا صناديق مالية لدعم المستأجرين الذين لا يستطيعون مجاراة أسعار الإيجارات الجديدة. في مصر، يمكن إنشاء صندوق وطني يُموَّل من الضرائب العقارية أو مساهمات التنمية العقارية، يقدّم دعمًا مباشرًا للحالات غير القادرة بعد تحرير الإيجارات.

3. تحفيز التحول للعقود الحديثة (نموذج كندا)

في كندا، يتم تشجيع الملاك على تحديث العقود عبر حوافز مثل الإعفاءات الضريبية أو تسهيلات بنكية. وبالمثل، يمكن للحكومة المصرية تقديم حوافز للملاك الذين يُعيدون التفاوض مع مستأجريهم ويحولون العقود القديمة إلى عقود مدنية حديثة.

4. آلية التفاوض الإجباري مع وساطة قانونية (نموذج السويد)

تعتمد السويد نظام وساطة عقارية ملزم لإعادة التفاوض بين الطرفين، ما يمنع التعسف ويوفر آلية عادلة للتوصل إلى حلول. ويمكن لمصر تأسيس لجان فض منازعات متخصصة بإشراف قضائي للنظر في الحالات المعقدة.

5. دعم مباشر بدلًا من دعم غير مباشر (نموذج الولايات المتحدة)

بدلًا من تثبيت الإيجارات لعقود طويلة، تقدم الحكومة الأمريكية دعمًا نقديًا مباشرًا للمستأجرين محدودي الدخل لتمكينهم من دفع الإيجار بالسعر الطبيعي. ويمكن أن يكون هذا النموذج حلاً عادلاً لمستأجري الإيجار القديم غير القادرين على تحمّل الزيادات.

6. تحرير السوق عبر إعادة تدوير الأصول المجمدة (نموذج سنغافورة)

تقوم سنغافورة بدمج العقارات المجمدة ضمن مشروعات إعادة تطوير حضرية، بحيث يُمنح المالك والمستأجر حقوقًا جديدة مقابل التخلي عن النظام القديم. هذا النموذج يمكن أن يُطبّق في مصر من خلال شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص.

 

حل أزمة الإيجار القديم في مصر لا يعني الإضرار بالمستأجرين ولا الإضرار بالملاك، بل يتطلب توازناً قانونياً وإنسانياً مدروسًا. التجارب الدولية أثبتت أن بالإمكان تحرير السوق، وتحقيق العدالة، وتعزيز النمو العقاري، دون المساس بالحماية الاجتماعية. المطلوب فقط هو الإرادة السياسية، والتشريع المرن، والدعم المرحلي للفئات الأكثر تأثرًا.