الإيجار القديم في ملعب البرلمان.. خبراء: التغيير العادل بات إلزامًا لإنهاء صراع عقود

الإيجار القديم في ملعب البرلمان.. خبراء: التغيير العادل بات إلزامًا لإنهاء صراع عقود

تعد أزمة الإيجار القديم من أبرز الأزمات الدائرة منذ عقود بين الملاك والمستأجرين، لذا وفي في ظل تصاعد الجدل المجتمعي حول قانون الإيجار القديم، تواصل لجنة الإسكان بمجلس النواب مناقشة التعديلات المقترحة التي تهدف إلى تحقيق توازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.

ويأتي هذا التحرك في إطار سعي البرلمان إلى معالجة واحدة من أكثر القضايا العقارية تعقيداً في القرن القرنين الماضي والحالي، والتي تراكمت آثارها على مدار عقود، تاركة خلفها أزمات اجتماعية واقتصادية تطال ملايين المواطنين.

ولعل التعديلات المرتقبة أثارت ردود فعل متباينة، بين من يراها ضرورة لتحقيق العدالة، ومن يخشى من تداعياتها على الفئات محدودة الدخل.

اختلال تشريعي عميق

في هذا السياق وجه المحامي مهني يوسف، المستشار القانوني الدولي، نداءً عاجلاً للمشرع المصري لإنهاء أزمة الإيجار القديم التي استمرت لأكثر من سبعة عقود، مؤكداً أن الظروف الحالية تتطلب حلاً جذرياً وعادلاً.

وأوضح يوسف، في تصريحات خاصة للوفد، أن “قانون الإيجار القديم رقم 121 لسنة 1947 كان تشريعاً استثنائياً لمواجهة ظروف الحرب العالمية الثانية، لكنه تحول مع الوقت إلى نفق مظلم من الظلم والتشوه القانوني”.

وأشار المستشار القانوني الدولي، إلى أن  “التعديلات المتتالية على القانون، بدءاً من 1954 مروراً بـ1977 و1981، لم تفلح في تصحيح المسار، بل كرست اختلالاً تشريعياً عميقاً حوّل العلاقة الإيجارية إلى قيد أبدي على المالك ومكسباً موروثاً للمستأجر”.

وأبرز يوسف أن “أحكام المحكمة الدستورية العليا في 2018 و2023 مثلت بارقة أمل، حيث أكدت أن النظام القديم كان استثناءً مؤقتاً، وأن المشرع لم يقصد إنشاء حقوق دائمة، مما يمنح مجلس النواب الضوء الأخضر لتصحيح هذا العوار القانوني”.

ونوّه المحامي مهني يوسف إلى أن مشروع القانون الجديد الذي يجري تداوله – وإن لم تصدر صيغته النهائية بشكل رسمي بعد – يعكس نية المشرع نحو المعالجة، لكنه للأسف لا يرقى إلى مستوى الطموحات، فرغم احتوائه على نقاط إيجابية مثل إنهاء العقود القديمة خلال خمس سنوات وزيادة القيمة الإيجارية، إلا أن المدة الانتقالية طويلة بلا مبرر، والزيادة السنوية المقترحة بنسبة 15% لا تواكب التضخم أو الأسعار السوقية، وهو ما يعد أمرًا غير جاد في التعامل مع المأساة الاقتصادية والاجتماعية للملاك.

وأشار يوسف، إلى  أن القانون لم يميز بين المستأجر القادر وغير القادر، ولم يعالج التراكمات التاريخية لهذا التشوه التشريعي بالشكل المأمول.

وقدم المحامي مهني يوسف مجموعة من المطالب العاجلة أبرزها في تقديم إجراءات تشريعية حاسمة لإنهاء كافة عقود الإيجار القديمة خلال 6 أشهر وتحرير كامل للسوق العقاري وفق القانون المدني وإنشاء دوائر قضائية متخصصة لفض النزاعات خلال 90 يوماً

وطالب المحامي الدولي أيضًا بتقديم ضمانات انتقالية وإنشاء صندوق دعم للمستأجرين كبار السن وقصر الدعم على من يثبت أن الوحدة هي مسكنه الوحيد و تحديد إيجار انتقالي بنسبة 50% من القيمة السوقية، مع فرض إجراءات رادعة و فرض غرامات تصل لـ500 ألف جنيه على المخالفين ومحاسبة من يجري تعديلات إنشائية دون إذن المالك.

واختتم يوسف تصريحه بالقول: “في ظل القيادة الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قاد مصر إلى آفاق غير مسبوقة من التنمية، أصبح من غير المقبول استمرار هذا التشوه القانوني، ومصر اليوم قادرة على تصحيح هذا المسار”.

صراع طويل بشأن الأحقية في أُجرة عادلة

من جهته أكد المستشار أيمن محفوظ، المحامي بالنقض، أن البرلمان يناقش تعديلات قانون الإيجار القديم، بعد أن فرضت أحكام المحكمة الدستورية العليا ضرورة تعديل المسار، في توفيق تشريعي بين المالك والمستأجر.

وأشار محفوظ، في تصريحات خاصة لبوابة تواصل، إلى أن التعديلات تأتي بعد صراع طويل بشأن الأحقية في أُجرة عادلة فيما يتعلق بالإيجار القديم، وضرورة كتابة شهادة وفاة لهذا القانون الاستثنائي الذي فرضته ظروف سياسية، حيث إن المحكمة رأت أن هناك جورًا على المالك من حيث تثبيت الأُجرة مهما مر الزمن، وهذا لا يتفق مع معايير العدالة.

وأوضح المحامي بالنقض أن القانون أدى إلى إنشاء خلل تعاقدي يتحمله المؤجِّر، بالإضافة إلى الامتداد القانوني شبه المؤبد لعقود الإيجار القديمة، حيث إن امتداد العقد مع تثبيت الأُجرة دون النظر إلى القيمة الشرائية للعملة، دفع الدولة للتدخل بقانون جديد يمنع كل تلك النقاط المظلمة قانونًا في قانون الإيجار القديم.

وأعرب محفوظ عن أمله في أن يُنتج هذا الحكم مولودًا قانونيًا جديدًا من خلال البرلمان والقنوات التشريعية، يصحح المسار التعاقدي استجابةً لصرخات طرفي الخصومة ما بين الملاك والمستأجرين، حيث إن الطرفين يشعران بالظلم من أحد القوانين الاستثنائية، وهو القانون رقم 136 لسنة 1981، وقد قضى الحكم بعدم دستورية المادتين 1 و2 من هذا القانون، واللتين تجعلان قيمة الأُجرة ثابتة بنسبة 7٪ من قيمة المبنى وقت البناء، دون النظر إلى التضخم وفقدان القوة الشرائية للنقود، وهذا بالطبع أمر غير دستوري وفقًا لنصوص المساواة وحماية الملكية الخاصة.

وكشف محفوظ أن الحكم لم يُنصف طرف الملاك كما يتوهم البعض، ولكن الحكم أظهر الخلل الدستوري لهذا القانون الذي لم يراعِ الأبعاد الخطيرة لهذا القانون الاستثنائي من النواحي الاجتماعية والاقتصادية.

واختتم المستشار بأن الحكم جاء ليصحح مسار العلاقة بين الملاك والمستأجرين في عقود الإيجار القديم، ويخلق نوعًا من الموازنة في تلك العلاقة، مشيرًا إلى أن البرلمان يعمل على إخراج قانون يُترجم حكم المحكمة الدستورية إلى قانون يُحقق في مضمونه زيادة القيمة الإيجارية بشكل تدريجي، حتى تكون تلك العقود ذات أُجرة متغيرة حسب مكان وقيمة العقار، بصورة تقترب من التوازن المنشود. ويُستثنى من هذا الحكم عقود الإيجار للأشخاص الاعتبارية والنشاط التجاري.