مصر والتحولات العالمية

العالم على مشارف تغيرات كبيرة، وكل المؤشرات تشير إلى أن هذا العقد هو آخر عقود النظام العالمى الحالى الذى بدأ عام 1945 ومر بعدة مراحل، منها الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى بقيادة الاتحاد السوفيتى، والغربى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991، والتحول إلى عالم القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة التى استطاعت مع أوروبا توجيه بوصلة الأحداث السياسية والاقتصادية لتحقيق مصالحها وأهدافها من خلال النفوذ والهيمنة على المؤسسات والمنظمات الدولية، وأحيانًا من خلال القوة العسكرية.. ومع بزوغ قوة روسيا عسكريًا واقتصاديًا وتحول الصين إلى مارد اقتصادي وتكنولوجيا وظهور قوى جديدة مثل الهند والبرازيل، ظهرت حالة التململ من الهيمنة الأمريكية والرغبة فى التحول إلى عالم متعدد الأقطاب وبدت بوضوح فى ظهور كيان دولى جديد تحت مسمى – البريكس – ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية إعلانًا صريحًا على مواجهة الغرب والحد من هيمنته، ثم جاءت الانتخابات الأمريكية بدونالد ترامب ليسرع من وتيرة تفكك التحالف الغربى بقراراته الاقتصادية الصادمة للأصدقاء قبل الأعداء، وليؤكد أن العالم على شفا تغيرات كبيرة.
الحقيقة أن مصر قرأت المشهد الدولى جيدًا مبكرًا، عندما قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى الانفتاح على كل القوى الدولية، وإقامة علاقات متوازنة مع كل التكتلات العالمية، وبدا هذا واضحًا من خلال تنويع مصادر السلاح، والانضمام إلى عضوية منظمة – بريكس – والدخول فى شراكات استيراتيجية مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى مع الاحتفاظ بنفس الشراكة مع الولايات المتحدة.. والمؤكد أن مصر استطاعت فى العقد الأخير توظيف وضعها الجيوساسى والديموجرافى والعسكرى فى إقامة علاقات قوية لتحقيق أهدافها الاستيراتيجية، وعلى رأسها تحرر القرار المصرى من أية تبعات أو ضغوط، وبدا هذا واضحًا فى أخطر قضية تواجه الشرق الأوسط وهى مخطط التهجير وإقامة شرق أوسط جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية، وهو ما رفضته مصر، عندما أعلنت بوضوح رفض عملية التهجير، وأكدت أن أرض سيناء خط أحمر أمام عملية التهجير، كما ظهرت قوة وتحرر القرار المصرى عندما قرر الرئيس السيسى تأجيل زيارته إلى واشنطن بسبب تبنى الرئيس الأمريكى لفكرة التهجير، ثم دعت القاهرة لقمة عربية طارئة قررت تبنى الخطة المصرية لرفض التهجير وإعادة إعمار غزة، والتأكيد على رفض تصفية القضية الفلسطينية والتمسك بمسار السلام وحل الدولتين.
إعداد وبناء الدولة المصرية على مدار العشر سنوات الماضية جعلا من مصر قوة إقليمية راسخة فرضت التوازن الاستيراتيجى فى أكثر منطقة صراع بالعالم، وهو ما دعا كثيرًا من القوى العالمية لإقامة علاقات وشراكات مع مصر، ولم تكن زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى مصر على مدار الأيام الماضية، إلا دلالة على قوة الدور المصرى فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وهى بالتأكيد زيارة ناجحة وفارقة فى هذا التوقيت الذى يشهد فيه العالم صراعات وتحولات سياسية واقتصادية من بينها شروخ وتصدعات فى التحالف الغربى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وجعل معظم الدول تبحث عن مصالحها، وعندما تتجه دولة بحجم فرنسا إلى مصر لإقامة علاقات استيراتيجية معها، فهو دلالة على صحة الموقف المصرى وأيضًا إشارة للتحولات العالمية، وليس أدل على ذلك من التوافق المصرى الفرنسى على رفض فكرة التهجير وإعلان فرنسا موقفها بوضوح من خلال زيارة الرئيس ماكرون إلى سيناء لدعم الموقف المصرى، وهى أيضًا دلالة على عمق العلاقات المصرية الفرنسية التى بدت منذ الوهلة الأولى فى استقبال المصريين لماكرون فى خان الخليلى برفقة السيسى وأيضًا زيارته إلى الأهرامات والمتحف الكبير، ثم لقائه بالنخب المصرية بجامعة القاهرة وجميعها كشفت عن حميمية الشعب المصرى تجاه فرنسا ورئيسها وتؤكد تعظيم العاقات بين الدولتين.
حفظ الله مصر