كيف نستعد لآثار الحرب التجارية العالمية؟

كيف نستعد لآثار الحرب التجارية العالمية؟

خالف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مبادئ وقيماً وقواعد أساسية فى الاقتصاد والتجارة، ظلت الولايات المتحدة تروجها على مدى عدة عقود باعتبارها الأفضل للاقتصاد العالمى، وعلى رأسها حرية التجارة، وما يتبعها من ضرورة إزالة كافة الحواجز والحدود الجمركية وغير الجمركية على تدفق السلع والخدمات.

ونتذكر جميعًا مقولات وأفكار المبِشرين بالعولمة فى بدايات الألفية الثالثة من أمثال فرانسيس فوكوياما، وتوماس فريدمان، وغيرهما وكيف كانوا يكررون أن العالم أصبح قرية واحدة، وأن حرية السوق هى التى ستحدد كل شىء.

لكن الرئيس الأمريكى ضرب بعرض الحائط كل هذه الأفكار والعبارات والمبادئ وقرر فرض رسوم جمركية على كافة دول العالم. تبدأ الرسوم على الدول النامية والعربية بنسبة 10 فى المئة، وترتفع على شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين لتصبح على الاتحاد الأوروبى 20 فى المئة، و24 فى المئة على اليابان، و25 فى المئة على كوريا الجنوبية، و46 فى المئة على فيتنام. أما الصين فقد فرض الرئيس ترامب عليها 34 فى المئة نظراً لوجود عجز كبير فى الميزان التجارى لصالح الصين.

وهذا المنطق الحمائى التقليدى الذى استخدمه الرئيس الأمريكى يفتح الباب لحرب تجارية شرسة، طويلة المدى، تؤثر على حركة تدفق السلع عبر الدول، وينتج عنه كساد كبير، وتعانى بسببه أسواق المال من انهيارات مفاجئة.

فكثير من الدول ستلجأ إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل وهو ما سيكون له ضحايا كثيرون داخل الولايات المتحدة نفسها، والتى شهدت بالفعل احتجاجات تجاه سياسات ترامب غير المسبوقة والغريبة، وهو ما دفع الكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان للقول إن أكثر ما يخيفه هو أن الرئيس الأمريكى يعتمد فى تصرفاته على حدسه، لا على دراسات وتوقعات لجان استشارية أو مراكز بحثية كما اعتاد الأمريكيون، وهذا ما يمثل اهتزازاً كبيراً للنظام الاقتصادى العالمى.

ولا شك أن الدول النامية ومتوسطة ومنخفضة الدخل ستكون هى الأكثر تأثراً بهذه الحرب التجارية، وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريتش، مؤكداً أن الدول الأكثر ضعفاً لا يمكنها مواجهة الوضع الراهن. فالفقراء سيزدادون فقراً، وستتراجع فرص تحقق أهداف التنمية المستدامة لتواجه شعوب وبلدان فقيرة مخاطر جديدة فى ظل الكساد الكبير.

ولا شك أن الدول العربية وعلى رأسها مصر ستتأثر بشكل كبير بسبب الأزمة نتيجة انسحاب كثير من المستثمرين الأجانب من الأسواق تحسباً لمخاطر كبيرة، مثلما حدث خلال فترة الجائحة، وهو ما يضع الحكومة برمتها، والوزارات الاقتصادية على وجه الخصوص أمام تحدٍ كبير يستلزم استعداداً لأى تقلبات قادمة.

وما يمنحنا قدراً من الطمأنينة، هو كبر وتنوع الاقتصاد المصرى وقدرته على امتصاص كثير من الأزمات وصلابة المؤسسات المصرية، وقوة الجهاز المصرفى. فضلاً عن بدء إصلاحات تشريعية مهمة فى القوانين الحاكمة للاقتصاد والاستثمار والتجارة، وهو ما نأمل فى تسريع وتيرته ضمن سيناريوهات التجهز للأزمة العالمية.

لكننا على أى حال فى حاجة إلى خلية عمل لمواجهة الأزمة المحتملة، ولا بد من طرح حوار شامل بين الحكومة والقطاع الخاص ممثلاً بمنظمات الأعمال للوقوف على سيناريوهات الأزمة وآثارها المستقبلية وكيفية مواجهتها بما يحافظ على معدلات النمو، ويحد من معدلات التضخم المرتفعة، خاصة أن هذه الحرب الشعواء قد تجعل مصر مركزاً تصديرياً متميزاً للعديد من الاقتصاديات التى تأثرت بسياسات الولايات المتحدة بما فى ذلك الصين واليابان وأوروبا.

وسلامٌ على الأمة المصرية.