حال المنظمة فى جنيف

حال المنظمة فى جنيف

لو أن منظمة الصحة العالمية قررت تنكيس أعلامها فوق مقرها فى جنيف، فسوف يكون هذا هو أقل ما تفعله احتفالًا بيوم الصحة العالمى، رغم أن مثل هذا الاحتفال أدعى إلى رفع الأعلام لا إلى تنكيسها. 

أما يوم الصحة العالمى فيوافق السابع من أبريل، وعندما حلّ هذه المرة بَدَت هذه المنظمة المعنية بقضايا الصحة حول العالم فى أسوأ ظرف يمكن أن تمر به منظمة دولية مثلها، وكان السبب أن الرئيس الأمريكى دونالد ترمب ما كاد يدخل مكتبه فى البيت الأبيض فى العشرين من يناير حتى سارع إلى الإعلان عن انسحاب بلاده من عضويتها. 

ولو كان انسحاب الولايات المتحدة من عضوية المنظمة لا يترتب عليه الإضرار بها، ما كانت هناك مشكلة كبيرة ولا صغيرة، ولكن المشكلة أن انسحاب واشنطن يترتب عليه حرمان المنظمة من النسبة التى تسهم بها أمريكا فى ميزانيتها. 

ومما يؤسف له أن أمريكا تسهم بالنسبة الأكبر بين الدول، وهذا معناه أن المنظمة ستعانى، وأن معاناتها سوف تنعكس على قدرتها على التعامل مع القضايا التى لا بديل عن أن تتعامل معها حول العالم. وبالطبع فإن هذه القضايا تخص فقراء العالم أكثر مما تخص أغنياءه، وبالتالى، فمواطنو الولايات المتحدة هُم آخر الذين سوف يعانون من انسحاب بلادهم من المنظمة، وهُم آخر الذين سوف يقع عليهم عبء الانسحاب. 

لقد عاش العالم زمنًا يعرف فيه الولايات المتحدة أرضًا للأحلام بالنسبة لكثيرين ممن كانوا يقصدونها، ولكن يبدو أن هذا قد تبدد أو كاد.. وعاش العالم يأمل أن تكون بلاد العم سام على قدر المسئولية التى لا بد أن تتحملها قوة عظمى مثلها، ولكن هذا كذلك يبدو أنه قد توقف عند حدود الأمل الذى لم يتجاوز مكانه إلى أرض الواقع. 

ولم يكن قرار ترمب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية سوى دليل واحد على ذلك، ولو شئت دليلًا آخر فى توقيت الانسحاب نفسه، فسوف تجد أن الرئيس الأمريكى لم ينسحب منها وحدها، ولكنه انسحب بالتوازى من اتفاقية المناخ التى وقّعت عليها بلاده فى باريس أيام الرئيس باراك أوباما! 

فيا له من سوء حظ للعالم وهو يرى أن الدولة ذات النصيب الأكبر فى تلويث الهواء بحكم حجم صناعتها تنسحب من اتفاقية لا عمل لها إلا مقاومة تغيرات المناخ.. ويا له من سوء حظ للعالم نفسه، وهو يرى الدولة صاحبة النصيب الأكبر فى تمويل منظمة الصحة العالمية توقف تمويلها !.. ولكن المتفائلين فى العالم لن يقفدوا الأمل.