اتفق العرب على أن يتفقوا!

اتفق العرب على أن يتفقوا!

متى يعلنون اتفاق العرب؟ منذ مئات السنين تحاصرنا عبارة «ابن خلدون» أحد أبرز علماء القرون الوسطى وأكبر المؤرخين العرب ومؤسس علم الاجتماع وهى «العرب اتفقوا على ألا يتفقوا». وقد يكون العالم الكبير «ابن خلدون» ابن تونس المتوفى فى القاهرة 1400، لديه موقف من العرب، جعله يصفهم بأصعب الأوصاف، ولكن الواقع يؤكد مقولته عن العرب، وهى عدم اتفاقهم على رأى واحد فى مواجهة ما يخطط لهم من القوى الغربية الاستعمارية والصهيوأمريكية التى تستهدف وجودهم، واستعمار بلادهم، ونهب ثرواتهم، تراهم- أى العرب- يجتمعون فى صورة جامعة عربية، أو اجتماعات ثنائية، وتأتى النتائج مخيبة للآمال، وتزداد الفرقة أكثر من التقارب، والتفرقة أكثر من الوحدة، والشك أكثر من اليقين، والبحث عن الذات أكثر من التفكير فى المجموع، وتغليب المصالح الضيقة على مصلحة الأمة العربية، والتقارب مع الغرب أكثر من أبناء العمومة والدين الواحد، واللغة الواحدة والتراب الواحد، اتفقوا على الفرقة والخصام أكثر من الود والوئام، هذا السلوك جرأ الاستعمار، وجعله يتمادى ويزحف نحو التراب العربى، ويحلم بدولة بدون حدود، حتى لو كانت فوق الدماء العربية. 

والعرب فى مواجهة ذلك يجتمعون، ويفترقون، ويتخاصمون، ويصدرون نتائج الفرقة للشعوب، فتختلف الشعوب على مسميات الأكلات، ومن يشتهر بماذا، ونعود لنقول: اتفق العرب على ألا يتفقوا، وكأن «ابن خلدون» الذى توفى منذ ما يزيد على 600 عام، يقف بيننا ويقول لنا: «مش قلت لكم»، وبالفعل يكون عدم اتفاق العرب رد فعل معتاداً على اجتماعات ولقاءات تتم دون أن تنتهى إلى أى شىء، وتشوبها الخلافات سواء بشكل معلن أو خلف الكواليس، والنتيجة من وراء عدم الاتفاق وقوع أحداث جسام فى مقدمتها الانتكاسة الكبرى التى أضاعت فلسطين وأضاعت الثقة فى القرار العربى. 

عدم الاتفاق العربى على قضية مصيرية ليس فى مصلحة الشعوب العربية، ويضاعف من محاولات تقويض العلاقات بين الشعوب وتشتيت الانتباه عن المعاناة الإنسانية والتسبب المستمر فى إفشال الدور العربى فى الدفاع عن الحقوق العربية. 

لا مفر أمام العرب إلا أن يلتقوا من أجل الاتفاق، لا نقول وقوفهم على قلب رجل واحد، لا بد من ترك مساحة للاختلاف كما يقول علم السياسة، ولكن لا بد أن يكون اختلافاً للصالح العام، إذا ظهر العرب يداً واحدة من خلال قرار عربى يحوز الإجماع ويتبناه الأغلبية، فإنهم أى العرب يكونون قادرين على محاربة الأعداء، ووقف العدوان على التراب العربى، والوقوف قوة عسكرية واقتصادية واحدة فى مواجهة الأطماع الغربية التى تريد أن تستفرد بدولة عربية وراء أخرى، وتوقف محاولات عودة «سايكس بيكو» مرة أخرى، وترد على الغرور الغربى، الذى يعتقد أنه لم يجد من يردعه. 

نريد من العرب أن يردوا على «ابن خلدون» بعد 700 سنة، وأن يقولوا له: «اتفقنا على أن نتفق» وصححنا المسار، وأن يقدموا تفسيراً آخر لما قدمه «جمال الدين الأفغانى» لمقولة «ابن خلدون»: عندما قال «الأفغانى»: «شر أدواء العرب داء انقسام أهله، يتحدون على الاختلاف، ويختلفون على الاتحاد، فقد اتفقوا على ألا يتفقوا». وأن يحقق العرب فى اتفاقهم أمنية السلطان قابوس عندما قال: «كنت أتمنى أن أرى العرب وهم يكذبون مقولة اتفق العرب على ألا يتفقوا».