أكاذيب ترامبية!

أكاذيب ترامبية!

أعتقد أن الرئيس الأمريكى ترامب لو كانت لديه ذرة من ضمير إنسانى لما صرح بما صرح به خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو. كما أعتقد جازمًا أيضًا أن ترامب وهو يدلى بما قال يدرك يقينًا أنه يسوق أكاذيب لجمهور يعلم أنها كذلك، ولكنه يفرضها على هذا الجمهور بمنطق القوة التى يملكها كرئيس أقوى دولة فى العالم.

لقد بدا ترامب منحازًا بلا حدود ضد حقوق الفلسطينيين ومؤيدًا بلا حدود لتل أبيب وبشكل يخالف المنطق ويتجاوز كل تفكير عقلى. لقد راح ترامب يتحدث عما حدث فى 7 أكتوبر مشبهًا إياه بأنه هولوكوست جديد على حد ما أشار وتغافل عما تقوم به إسرائيل ويرتقى أو هو نوع من الإبادة الجماعية الكاملة لشعب يتجاوزعدد أفراده مليونى فلسطينى.

راح ترامب بقلبه الكبير يتحدث عن تلك الأسرة الإسرائيلية التى راحت تطلب منه أن يسعى لاسترداد جثمان ابنها فيما تغافل عن أن هناك أكثر من 50 ألف فلسطينى استشهدوا بعيدًا عن الإصابات التى تتجاوز المائة ألف.

تشعر من حديث ترامب بأنه لا يرى الفلسطينيين من الأساس، إنهم فى منظوره غير موجودين من الأصل. ولعله ما يعزز ذلك عودته للحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة بل وإعرابه عن دهشته من تخلى إسرائيل عن غزة سابقًا متناسيًا أنها كانت قوة احتلال وأن الاحتلال لا بد له من الزوال.

هذه قيم ومبادئ غير واردة فى فكر ترامب، وإذا كان فى ذلك ينطلق فى رؤيته من أفكار الآباء المؤسسين الأوائل لبلاده والتى قامت على الإبادة وتهجير أبناء الأرض الأصليين من الهنود الحمر، فإن ترامب يكتسب سمات خاصة عرضنا لبعضها فى مقالات سابقة على رأسها الفجاجة والمباشرة، الأمر الذى جعله يدخل فى صدام مع العالم بمعنى الكلمة.

وإذا كان ترامب من الشخصيات التى لا تنقضى عجائبها فلعل من عجائبه خلال لقائه مع نتنياهو عودته للحديث مرة ثانية عن تهجير الفلسطينيين من غزة بل وتلميحه إلى السيطرة عليها وامتلاكها بهدف جعل غزة منطقة حرة من النزاع. ولعل السؤال الذى يرد على هذا الطرح: لماذا لا يستقبل ترامب مواطنى أوكرانيا على أراضى بلاده لجعلها خالية من النزاع مع روسيا؟ فلو أن كل دولة تريد السيطرة على إقليم معين حق لها أن تخليه من سكانه لأصبحت فوضى لا يحتملها العالم.

لعل ذلك يدخل ما يقوله ترامب فى إطار اللا معقول ويخرجه من عداد الشخصيات القيادية التى يحق لها أن تكون على رأس دولة بحجم الولايات المتحدة.

الأنكى من ذلك أن ترامب لم يكتف بنفى الوجود الفلسطينى من غزة على مستوى فكره وعلى مستوى طرحه لتهجيرهم، بل راح يشغل نفسه بتسمية جديدة لها تحمل مفارقة التضاد على مستوى الفعل وهو وصف غزة بأرض أو مدينة الحرية، رغم أن أى فعل على طريق الوصول إلى امتلاكها أو تهجير أبنائها يحمل معنى القهر والعبودية.

الملفت للنظر أن ترامب لم يجد من يرد عليه للأسف، ربما بمنطق أنه رجل لا يستقر على مبدأ أو موقف أو فكرة، حيث يتراجع عما يقوله بسرعة، وربما بمنطق تجنب استفزازه، وإن كان الرد جاء من الأمم المتحدة على لسان أمينها العام الذى راح يؤكد أن مساعى تهجير الفلسطينيين تتعارض مع القانون الدولى داعيًا للوقوف فى مواجهة تلك المساعى.

ولعل ذلك ينبئنا عن ضرورة الاستعداد لكل ما هو أسوأ ياتى من جانب ترامب الذى لم يمض سوى شهور فى ولايته التى تستمر أربع سنوات!

[email protected]