الكرتون السياسى

مسلسل «عائلة سيمبسون» الأمريكى والذى تعرضه المنصة الأمريكية الشهيرة «فوكس» قد بدأ عرضه عام 1989 واستمر فى عرض أكثر من 34 جزءًا بواقع 740 حلقة على مدار كل تلك السنوات ، فكرة وتأليف المسلسل للكاتب الأمريكى «مات غرينيغ » عن عائلة أمريكية تتكون من أب وأم وثلاثة أطفال تعيش فى ولاية أو منطقة من نسج الخيال تسمى «سبرينغفيلد» فى إحدي الولايات الأمريكية هذه العائلة المختلة أو الغريبة الأطوار والتصميم واللغة والسلوك تم تصميمها وأبداعها بهذه النمطية لتعبر عن المجتمع الأمريكى حيث أنها موجهة للكبار فقط تضم قدراً كبيراً من السياسة والسخرية وتطرح قضايا متعددة بأسلوب كوميدى ساخر بسيط لتصل بالرسالة الضمنية إلى أكبر عدد من المشاهدين كما يؤكد وفى ذات الوقت أن هذا المسلسل ليس للتسلية والترفيه فقط ولكنه فى الواقع عمل ذو مضامين جيو سياسية اقتصادية وإجتماعية بل ودينية ، وله أيضا توجهات غريبة ومخيفة وتنبؤات كثيرة أربكت المتابعين والمحللين السياسيين والإعلاميين …
فالمسلسل عن الأب هيومر الساذج والذى يعمل فى أحد الشركات النووية والأم مارج تمثل نموذج الأم الأمريكية البسيطة شكلاً وهيئة المتهمة بالأسرة والإنجاب والحيوانات الأليفة التى صارت جزءا من الغائلة السعيدة بينما مضمونا لها توجهات مختلفة ، فالأنباء يمثلون البنية الأمريكية المثالية ويتعرضون فى كل حلقة وجزء لقضايا آنيه معاصرة وشائكة عن الديمقراطية والهجرة والمخدرات والإرهاب والدين والإلحاد والتكنولوجيا والمثلية والشذوذ والمناخ والأمراض والفيروسات وكل ما أصاب العالم والبشرية حروب وجوائح ؛ ومع أن الرسم والحركة والشخصيات غير مألوفة ولا تحظى للوهلة الأولى بقبول عالمى لغرابتها ، إلا أن الذائقة الإعلامية والسياسية للشركة المنتجة أستطاعت أن تفرضها على المشاهد فى العالم أجمع وذلك من خلال طرح قضايا عالمية تتعلق بالسياسة كما أن هناك بعض التنبؤات المستقبلية التى تمنح العمل مزيدا من الجماهيرية والتأثير إعلامى الكبير على العقل الجمعى العالمى مثل بعض الإرهاصات الخاصة بجائحة كورونا، وكذلك ظهور شخصيات سياسية جدلية وقد تكون فى السلطة فقد ظهرت «كاميلا هاريسون» المرشحة الأمريكية السابقة للرئاسة بذات الملابس لشخصية «ليزا» الأبنة النباتية المثلية بالمسلسل … وأخيراً هذا المقطع المتداول عن قرب نهاية حقبة زمنية وعالم نعرفه فى ١٢/٤/٢٠٢٥ مع صورة لتابوت يرقد فيه جثمان الرئيس الأمريكى؟! هكذا يشكلون العالم وهكذا أصبح الإعلام والدراما والكرتون جزءاً لا يتجزء من منظومة كبرى وإدارة خفية لعوالم الاقتصاد والسياسة والأديان والحروب والمجتمعات والصحة والمناخ … عالم جديد تحدده شخوص كرتونية هزلية سخريتها تتحول إلى عنف يدمر الأسرة والفرد ومن ثم يصبح هذا «الميكروكوزم» أو العالم الصغير ما هو إلا مرآة للعالم الكبير الذى نعيشه …
ذلك الكرتون السياسى تجاوز مرحلة المتعة وطرح القضايا إلى مرحلة التحكم فى الفرد والعالم حتى وإن بدا أن كل هذا مجرد مزحة ساخرة أو مشهد كرتونى عبثى إلا أنها رسائل ضمنية خفية تلعب بالعقول ولها فعل التأثير المغناطيسى تملكه وتحكمه وتحركه كما تريد وكيفما ترغب ووقتما تشاء.