القاهرة الخديوية.. تحت التطوير

القاهرة الخديوية.. تحت التطوير

العلايلي: المنطقة تحتاج إعادة عمران لا إعادة تخطيط

عضو اتحاد الغرف السياحية: مبانى الوزارات القديمة بالقاهرة.. تنتظر الاستغلال الأمثل

سامح سعد: نقل الهيئات الحكومية للعاصمة الإدارية يسمح بتحويل المنطقة إلى مكان سياحي

 

تعتبر منطقة وسط البلد من أهم المناطق التاريخية فى القاهرة، لا سيما و أنها تتمتع بطابع معمارى مميز، إن لم يكن متفردا فى بعض تفاصيله، التى تجذب الأنظار بمجرد رؤيتها.

 ولذلك تولى الدولة اهتماما خاصا بهذه المنطقة، وتستعد حاليا لوضع رؤية كاملة لتطويرها من أجل الاستفادة منها سياحيا وعقاريا وجذب الاستثمارات الأجنبية. 

وفى وقت سابق كشف رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، عن تكليفات لمكتب استشارى لوضع الرؤية الكاملة لتطوير منطقة وسط البلد وطرح المنشآت الموجودة فى المنطقة التابعة للدولة داخل بعد نقل منشآتها إلى العاصمة الإدارية.

وأشار مدبولى إلى وجود عدد من الكيانات الاستثمارية سواء الدولية أو المحلية أبدت اهتماما شديدا لتشارك الدولة فى تنمية منطقة وسط البلد، موضحا أن هناك اهتماما كبيرا للغاية بمناطق الساحل الشمالى وساحل البحر الأحمر ومنطقة وسط البلد، كمناطق يمكن أن يكون بها طرح وحدات ومشروعات سواء سياحية أو عقارية.

وذكر أن الحكومة ستطرح المخطط النهائى بالتنسيق مع الصندوق السيادى لضمان تحقيق أقصى استفادة اقتصادية من أصول الدولة بمنطقة وسط البلد.

وكلف رئيس الوزراء بأن تنتهى مجموعة عمل من الوزارات والجهات المعنية من كراسة الشروط الخاصة بطرح منطقة «مربع الوزارات»، وأن تكون بها إجابات واضحة عن كل التساؤلات الخاصة بالمستثمرين من القطاع الخاص.

جاءت تصريحات رئيس مجلس الوزراء، فى الوقت الذى صرح فيه رجل الأعمال الإماراتى محمد العبار مؤسس شركة إعمار، عن خطط الشركة لتوسيع استثماراتها فى مصر، مؤكدا أنها تتطلع للمساهمة مع الحكومة المصرية  فى تطوير منطقة وسط البلد بالشراكة بينهم.

وأوضح “العبار” أن هناك مفاوضات جارية مع الحكومة، مشيرا إلى أن حكومة مصر لم تتسلم بعد المبانى من الوزارات، لكن عند استلامها سيتم طرح عطاءات للشركات العقارية العالمية والمحلية، مؤكدا أن إعمار ستكون من أوائل المتقدمين للتنفيذ.

واقترح “العبار” تصورا حول تطوير منطقة وسط البلد، مشيرا إلى أن مشروع التطوير يمكن أن يحاكى نجاح داون تاون دبي، الذى يستقطب 120 مليون زائر فى السنة الواحدة، مؤكدا أن وسط القاهرة لديه إمكانيات هائلة تجعله أحد أهم الوجهات السياحية والاستثمارية فى العالم.

وتقوم فكرة مقترح المستثمر الإماراتى على أن يمتد المشروع على مساحة 40 إلى 50 فدانًا، مع تخطيط حديث للشوارع والفنادق والمطاعم، مما سيعيد للمنطقة بريقها التاريخى ويجذب مستثمرين من مختلف دول العالم.

إدارة العمران

فى هذا الصدد ، أكد الدكتور سامح العلايلي، عميد كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة سابقا، أن منطقة وسط البلد لا تحتاج إلى إعادة تخطيط بالمعنى الذى يتم الترويج له، لأنها من أفضل الأماكن فى مصر من حيث التخطيط، لكنها تحتاج إلى بعض التحسينات وترميم المباني، وتحسين حركة المرور والمشاه، وإزالة اللافتات من الشوارع، وهو ما يطلق عليه علميا «إدارة العمران». مشيرًا إلى أن إدارة العمران تساهم فى تنظيم المنطقة وتحسين أحوالها، بحيث تتنوع فيها الأنشطة تدريجيا. 

وفيما يتعلق بمنع سير المركبات فى بعض الشوارع، أوضح عميد كلية التخطيط العمرانى سابقا، أن هذا المقترح غير مناسب لشوارع وسط البلد، لأنه يعيق حركة السكان خاصة كبار السن الذين يقيمون فيها ويمتلكون سيارات، متسائلا، «كيف سيصلون إلى منازلهم بدون سياراتهم». 

وتابع، «كل ما هو مطلوب يتمثل فى اتخاذ إجراءات تخص الاهتمام بالنظافة وتحسين الأحوال وإزالة اللافتات وغيرها، ثم تحويل بعض الوحدات السكنية للإقامة فقط وليس الفندقة بالشكل الكامل مثل البانسيونات وهو نمط سكنى موجود فى معظم دول العالم، بينما الشقق الفندقية تتمتع بجميع الخدمات الفندقية». 

وأكد العلايلي، على ضرورة الاهتمام بالطراز المعمارى للمبانى أثناء الترميم، والتحكم فى حركة المرور بطريقة معينة مثل وضع توقيتات معينة لسير مركبات نقل البضائع فى المنطقة، ولتكن من الساعة الثانية عشرة ليلا وحتى السادسة صباحا، وكذلك توريد الأغذية للمحلات والمطاعم، فضلا عن وضع توقيتات محددة لأعمال النظافة. 

خبرات عالمية ومحلية

 وقال محمد فاروق، عضو الاتحاد المصرى للغرف السياحية إن تطوير منطقة وسط البلد يتطلب الاستعانة بخبرات عالمية ومحلية فى مجال تطوير المدن التاريخية مع طرح المبانى الحكومية غير المستغلة للاستثمار الفندقي، على أن يتم تحويلها إلى فنادق من خلال طرحها للقطاع الخاص المصرى والأجنبي.

وطالب فاروق، بضرورة وجود تعاون مباشر وقوى فى هذا الشأن من خلال تشكيل لجنة عليا تتبع رئيس الوزراء تضم فى عضويتها محافظة القاهرة وجهاز التنسيق الحضارى ووزارة السياحة والآثار، لوضع تصور للتطوير يحافظ على النسق الحضارى للمنطقة والشكل الجمالى والمعمارى والتراثي.

وأشار عضو الاتحاد المصرى للغرف السياحية، إلى أنه حتى تكون منطقة وسط القاهرة مقصدا سياحيا تاريخيا يجب أن تشمل أعمال التطوير رصف الشوارع وإعادة رفع كفاءة الأرصفة، وأعمال الإنارة والتشجير ومنع الانتظار الخاطئ، ومنع حركة السيارات فى بعض الأماكن التى تستدعى ذلك .

وتابع، «من المعروف أن منطقة وسط البلد شكلتها مخيلة مصممين من جميع أنحاء العالم، ويجب الاستعانة بخبرات المصممين الأجانب الذين لهم باع طويل فى هذا المجال سواء الإيطاليين أو الفرنسيين والإسبان وغيرهم، فى وضع تصور لشكل جمالى تكون عليه منطقة وسط البلد بعد تطويرها».

وأوضح فاروق، أن منطقة وسط البلد تمتلئ بالعمارات والمبانى ذات الطابع التاريخى التى يمكن استثمارها فى إنشاء غرف فندقية أو أماكن تجارية ذات طابع سياحى وتحويل المنطقة إلى مزار سياحى عالمي، لافتا إلى أن هذا التطوير سيفتح المجال أمام عمليات التأجير أو إنشاء الفنادق التى نحن فى احتياج إليها لاستيعاب أعداد السياحة الوافدة ضمن رؤية الدولة للوصول إلى ٣٠ مليون سائح بحلول 2030.

وكشف أن هذا التطوير يترتب عليه عوائد مالية مستمرة خاصة فى القطاع الفندقى والترفيهى يصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويا، مشيرا إلى أن ما تقوم به الحكومة يجعل منطقة وسط البلد منطقة سياحية تراثية تجمع بين التاريخ والعراقة والحداثة بتوفير مراكز تجارية وأماكن ترفيهية مميزة ونسق معمارى وحضارى يجمع بين العراقة والحاضر وستتزايد أعداد الغرف الفندقية فى قلب القاهرة التى يحتاجها القطاع السياحى بشكل عاجل فى ظل تنامى الطلب على زيارة القاهرة والسياحة بها والاحتياج إلى غرف فندقية مناسبة.

وأوضح فاروق، أن توجه الدولة لتحويل المبانى الوزارية والعمارات التاريخية إلى فنادق بمنطقة وسط البلد يضيف منتجا سياحيا جديدا لمصر ويكون ذلك هو الاستغلال الأمثل لها. 

تطوير القاهرة الخديوية

وقال سامح سعد، المدير التنفيذى لجمعية السياحة الثقافية، إن تطوير منطقة وسط البلد وتحويل المبانى الوزارية إلى منشآت سياحية يعتبر جزءًا من مشروع تطوير القاهرة الخديوية.

وأضاف سعد، أن نقل الهيئات والجهات الحكومية للعاصمة الإدارية يسمح بتحويل المنطقة إلى مكان سياحى وعودة الرونق للمبانى ذات العمارة المتفردة التى يمكن استغلالها بشكل كبير فى السياحة، وقد كانت هناك بعض الشركات السياحية تنظم فى الماضى زيارات لمجموعات سياحية للمهندسين المعماريين الأجانب إلى منطقة وسط البلد لمشاهدة المبانى فى المنطقة، لكن للأسف بعد العشوائيات والتشوهات التى حدثت فى معظم العمارات عقب ثورة 2011 توقفت هذه الزيارات، إلا أن الدولة تحاول حاليا إعادة الرونق للمنطقة لإعادة السياحة إليها من جديد. 

وأوضح المدير التنفيذى لجمعية السياحة الثقافية، أنه خلال تحويل المبانى إلى منشآت فندقية لابد على المستثمرين والمطورين الالتزام بالطراز المعمارى الأصلى لكل مبنى حتى لا نفقد قيمة هذه المبانى التاريخية، وأن تكون التعديلات التى سيتم إجراؤها على المبانى مطابقة للمواصفات العالمية الموضوعة فى هذا الشأن، من خلال الاستعانة بشركات إدارة عالمية لها سابقة أعمال متعددة وليس مجرد شركة لها فندق فى أكثر من دولة، فضلا عن ضرورة الخضوع لاشتراطات وزارة السياحة لتقييم الفنادق. 

وأشار سعد، إلى أن طرح هذه المشروعات يجب أن يكون بنظام المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص بحيث يكون للحكومة نسبة تصل إلى 20 و40% مثلا والباقى للقطاع الخاص وفقًا للضوابط والشروط والمواصفات. 

ولفت إلى أن المسألة الأهم فى هذا النوع من الاستثمار هو العقد المبرم مع الحكومة، والذى يجب أن تكون شروطه واضحة ومطابقة للمواصفات العالمية بحيث لا تتكرر التجاوزات التى حدثت فى بعض المشروعات الأخرى وأبرز مثال عليها فندق شبرد وسط البلد، الذى تم إلغاء العقد مع المستثمر الأجنبى بعد سنوات ولم يستمر الاتفاق الموقع بين الطرفين بسبب عدم الالتزام بشروط العقد، ولذلك يجب الاستعانة بخبراء عالميين عند صياغة هذه العقود. 

وذكر أن الفترة الزمنية للانتهاء من هذه المشروعات قد تصل إلى 4 و5 سنوات ما بين الطرح وتحديد الاستشارى والرسومات والتنفيذ، خاصة وأن تعديل المبانى يستغرق وقتا طويلا، مؤكدا أن القاهرة تعانى من نقص فى عدد الغرف الفندقية وتحويل مبانى الوزارات سوف يزيد الطاقة الفندقية بكل تأكيد. 

مراحل التطوير.

من ناحية أخرى قال الدكتور أحمد عامر، الخبير الأثرى ومفتش الآثار بوزارة السياحة، إن القانون ينص على أن تطوير أى أثر لا يجب أن يكون بالمساس به أو تغييره معالمه أو ملامحه، وبالتالى تطوير منطقة وسط البلد لا يجب أن يمس المبانى التاريخية فيها أو معالمها. 

وأضاف عامر، أن التطوير سيكون على أكثر من مرحلة، تشمل توحيد واجهات المبانى فى المنطقة بلون موحد بما يتناسب مع طبيعتها دون تغيير ملامح العقارات نفسها، أى بدون تكسير أو هدم أو إزالة. 

وأشار الخبير الأثري، إلى أنه بالإضافة لذلك سيتم القيام بالترميم المناسب للمبانى من أجل المحافظة على الأثر من الإندثار أو تغيير هويته الأصلية، مع الحفاظ عليه لفترة أطول، وهذا هو المتبع فى مشروعات تطوير الأماكن التراثية والأثرية. 

وأوضح مفتش الآثار بوزارة السياحة، أن التطوير يشمل أيضا نقل الباعة الجائلين من المنطقة والحفاظ على الهوية البصرية وتطبيق مبادئ التنسيق الحضارى فيها.