ارتفاع أسعار الوقود.. عرض مستمر

شهدت الساعات الماضية حالة من القلق بين الرأى العام تماشيا مع ارتفاع أسعار الوقود التى يتبعها ارتفاع مؤشرات التضخم وتذبذب الأسعار بالأسواق. وكشف الدكتور عبد النبى عبد المطلب، الخبير الاقتصادى، عن أسباب لجوء الحكومة لارتفاع الوقود رغم انخفاض سعر برميل النفط إلى 57 دولارا عالميا، نتيجة للصراعات والأحداث العالمية.
وقال «عبد النبى» إنه رغم انخفاض أسعار البترول عالميا، إلا أن الدولة لديها مخاوف فى استمرار ذلك الانخفاض لأكثر من ذلك، الأمر الذى يستوجب انخفاض أسعار الوقود محليا، فسارعت برفع أسعار الوقود تمسكا بحجة أمام الرأى العام قبل انخفاض السعر العالمى مرة أخرى.
وأضاف الخبير الاقتصادى، فى تصريحات خاصة لـ«تواصل»، أنه من ضمن أسباب ارتفاع أسعار الوقود، تمسك مصر بتعهدات صندوق النقد الدولى برفع الدعم، مع توقع صدور بيان رسمى من الصندوق بقبول المراجعة الرابعة، أم هناك ملاحظات عليها، يأتى ذلك رغم التصريحات غير دقيقة التى تصدر من الحكومة عن تمام وقبول المراجعة قبل صدور بيان رسمى من الصندوق.
وتابع أن انخفاض سعر البترول عالميا لم يحدث منذ 7 سنوات ومتوقع انخفاضه مرة أخرى خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن الحكومة تقول إن تكلفة إنتاج المواد البترولية مرتفعة، رغم أن التكاليف التى تضعها ليست من التكاليف الأساسية، فعلى سبيل المثال تقول إن تكلفة كيلوات طاقة على الدولة 3 جنيهات بينما توفره للمواطن 1.5 جنيه، فهذا ليس دقيقا.
ولفت إلى أن مصر تستهلك عادة 33 جيجاوات سنويا، بينما تنتج ما يقرب من 47 جيجاوات، وهنا يطرح سؤالا.. كيف نصدر تلك الكمية وتكون أسعار الطاقة بهذه الأسعار والتكلفة؟، موضحا أن الدولة اعترفت بانخفاض تكلفة إنتاج سعر لتر السولار 40 قرشا، ورغم ذلك رفعت سعر لتر السولار إلى 15.5 جنيه، وبررت ذلك الحكومة بعدم استقرار أسعار المنتجات البترولية نتيجة للتوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، إلى جانب تطورات تكاليف الإنتاج والنقل والاستيراد.
وتزامنا مع صعود أسعار الوقود، ارتفعت معدلات التضخم فى المدن المصرية خلال شهر مارس الماضى إلى 13.6% على أساس سنوى مقارنة مع 12.8% فى فبراير، وفق بيان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء المصرى، وتراجع معدل التضخم السنوى لأسعار المستهلكين فى المدن المصرية إلى 12.8% فى فبراير الماضى، وذلك من 24% فى يناير 2025.
وأكد الخبير الاقتصادى أن هناك توقعات بصعود معدلات التضخم 200 نقطة (2%)، تزامنا مع ارتفاع أسعار الوقود، مشيرا إلى تأثير تعريفة الركوب بشكل مباشر، بينما السلع الغذائية وغيرها من الخضراوات والفاكهة، ربما تستجيب لهذه الزيادة خلال الفترة المقبلة.
ارتفعت الأسعار على أساس شهرى 1.6% فى مارس مقارنة بشهر فبراير. وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات 2.9% فى مارس، والملابس والأحذية 1.5%، والمطاعم والفنادق 0.6%.
وذكر الكيميائى محمود نظيم، وكيل أول وزارة البترول لشؤون البترول الأسبق، أن هناك انخفاض فى أسعار البترول عالميا، وأكد نظيم فى تصريحات خاصة لـ«تواصل» أن الدولة تتحمل عبءاً كبيرا فى تكلفة سعر لتر البنزين حيث تصل إلى 25 جنيها، بينما تتجاوز تكلفة لتر السولار 20 جنيها.
وأشار إلى أن الحكومة مضطرة لتفعيل زيادة الوقود ومشاركة المواطن فى تحمل تلك التكلفة، حيث تدعم الدولة المواطن بـ160 مليار جنيه بمنتجات الوقود البترولية.
وأوضح أن زيادة أسعار الوقود التى قررتها الحكومة تسد جزءا بسيطا بين عملية الطرح «الشراء والبيع»، وخفض نسبة الدعم المقدم من قبل الموازنة العامة، كما أن الدولة تستورد طن المازوت ما بين 500 و600 دولار، وتبيعه للكهرباء بـ2500 تقريبا، وهذا أكبر دليل على حجم المعاناة التى تتحملها الحكومة من من دعم الوقود والمواد البترولية.
ولفت إلى أن الزيادة الأخيرة فى رفع أسعار الوقود لها تأثير سلبى على أسعار السلع، وتحتاج إلى تشديد الرقابة على الأسواق، كما أن قرار الحكومة، بارتفاع أسعار الوقود تدريجيا حتى 2025، يترتب عليه توزان بين دخل المواطن والزيادة المقررة، كما أن القرار حينها يحكمه السياسة وليس الأمور الفنية، بجانب الظروف التى تمر بها الدولة فى ذلك التوقيت.
وقالت مروة لاشين، الخبيرة الاقتصادية، إن تحريك أسعار الوقود، يهدف إلى تقليص الفجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع المدعوم، وتخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة وتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل، فى محاولة لتخفيض الآثار السلبية على الفئات الأكثر احتياجًا عبر حزم الحماية الاجتماعية، متمنية من الحكومة خفض أسعار السلع الغذائية والاحتياجات الأساسية والخدمات، أحد أهم التحديات أمام الأسر المصرية خلال الفترة الراهنة، ما يستلزم مزيدًا من الإنفاق عليها، ووضع ضغط متزايد على ميزانية الأسرة شهريا.
وأشارت «لاشين» إلى أن رفع أسعار الوقود سيؤدى إلى حالة من الاستياء والإحباط بين قطاعات عريضة من الشعب بسبب الأعباء الاقتصادية الإضافية، فضلا عن رفع تكاليف الإنتاج والنقل ما سيؤثر على أسعار معظم السلع الاستهلاكية والغذائية وتعريفة النقل اليومى، إلى جانب موجة عارمة من تضخم، وقد أدى تحريك أسعار الوقود الأخير إلى زيادة التضخم بنسبة 2%.
وتابعت الخبيرة: ستضطر الأسر إلى إعادة ترتيب أولوياتها وتقليص نفقات الغذاء والدواء والتعليم، والتضحية بالكثير من احتياجاتها الأساسية، وتقليل الاستهلاك، والبحث عن بدائل أرخص، والبحث عن عمل إضافى أو مشروعات صغيرة.
وأكدت زيادة الإنفاق الشهرى على الوقود بالنسبة للأسر التى تمتلك سيارات خاصة، فأصبح بند الوقود يمثل نسبا متزايدة من الإنفاق الشهرى، فإذا كانت أسرة متوسطة الدخل تنفق حوالى 800 جنيه شهريًا على بنزين 92 فى عام 2016، فإن نفس الاستهلاك كان سيكلفها حوالى 4000 جنيه حاليًا، هذا المبلغ الإضافى يتم اقتطاعه من ميزانية الأسرة المخصصة لبنود أخرى مثل الغذاء والتعليم والصحة.
ولمواجهة الضغوط المالية، ستلجأ العديد من الأسر إلى تقليل استهلاكها من السلع والخدمات غير الضرورية والضرورية أحيانا، لتعويض الزيادة فى تكلفة الوقود والغذاء، ما يؤثر على جودة الحياة ويقلل من فرص الترفيه والتنمية الشخصية، وقد تضطر الأسر إلى تأجيل أو إلغاء خطط شراء سلع معمرة أو السفر أو الاستثمار فى التعليم بسبب تآكل مدخراتها وتزايد الأعباء اليومية.
وقالت «لاشين»: إن المجتمع المصرى يُصارع طوفان الأسعار، مطالبة بفرض تسعيرة جبرية، وهى إحدى آليات الرقابة على الأسواق، وتجريم عمليات البيع بما يُخالف ذلك، لافتة إلى أن الحكومة تحتاج إلى أدوات لتطبيق التسعيرة الجبرية، منها: وجود رقابة فعالة على الأسواق لمواجهة الأفعال والتصرفات الضارة بالسوق، ومواجهة الآثار السلبية الناشئة عن أفعال تهدف إلى الإضرار بالمستهلك.