نصبح أثرياء

مشاهد درامية تكاد تُدرج ضمن أفلام الإثارة، عاشتها البورصات العالمية فى الأيام القليلة الماضية، حيث عصفت بها تقلبات غامضة وحادة إثر قرارات مفاجئة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الدول إلى الولايات المتحدة.
تلك القرارات سقطت كالصاعقة على رؤوس المستثمرين، ليس فقط داخل البورصات الأمريكية، بل امتد أثرها إلى كل زاوية فى الأسواق العالمية، ليتكبد حملة الأسهم خسائر فادحة فى ظرف وجيز.
بينما كانت حالة الذعر تسود أوساط المستثمرين، تداولت منصات التواصل الاجتماعى أحاديث منسوبة إلى «ترامب» يحث فيها على الاستثمار فى الأسهم، مدعيًا أن هذا هو التوقيت الأمثل لدخول السوق. ورغم التناقض الصارخ بين حديثه وبين قراراته، لم تمضِ سوى ساعات حتى أعلن عن تجميد الرسوم الجمركية، فى خطوة قلبت الموازين رأسًا على عقب.
تنفست الأسواق الصعداء، وقفزت البورصة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها فى زمن قياسى، وتحولت الخسائر المدوية إلى أرباح خيالية، لم يحصدها سوى القلة المحظوظة، بينما تركت الغالبية تتحمل فواتير الانهيار المؤقت.
هذه اللعبة الغريبة فى سوق المال دفعت عدداً من السياسيين الأمريكيين للمطالبة بتحقيق فورى وشفاف، لكشف ما إذا كان الرئيس نفسه أو من حوله متورطًا فى تلاعبات منظمة بأسواق الأسهم، من خلال إصدار قرارات تؤدى إلى هبوط متعمد، ثم إلغائها لتحقيق أرباح ضخمة لمن هم فى دائرة الضوء. ما حدث لم يكن مجرد قرارات اقتصادية، بل أقرب ما يكون إلى سيناريو مدروس بعناية.. وربما بقصد.
الاضطرابات العنيفة التى اجتاحت الأسواق العالمية، لم تكن البورصة المصرية بمنأى عن التأثر، بل كانت إحدى الضحايا المباشرة لهذه العاصفة، فقد شهدت السوق المحلية خسائر جسيمة، نتيجة موجة تخارج واسعة للمستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة، الذين سعوا لتقليص خسائرهم وتعويضها فى أسواق أخرى، خاصة فى ظل التقلبات الحادة التى ضربت البورصات العالمية والأمريكية على وجه الخصوص.
هذا التخارج المفاجئ للأموال، خاصة ما يُعرف بـ«الأموال الساخنة» المستثمرة فى أدوات الدين مثل السندات وأذون الخزانة، شكّل ضغوطًا قوية على الاقتصاد المحلى، وأدى إلى نزيف فى موارد العملة الصعبة، ومع تزايد الطلب على الدولار مقابل الجنيه المصرى، واصل سعر صرف العملة الأمريكية ارتفاعه، ليضيف عبئًا جديدًا على كاهل الاقتصاد، ويكشف هشاشة الأسواق الناشئة أمام تقلبات الخارج وقرارات الكبار.
< يا سادة.. حتى وإن بدا سوق الأسهم هشاً أمام مثل هذه الاضطرابات، فإن التصرفات العشوائية والانجرار وراء الذعر الجماعى قد يكون أكثر ضرراً من التقلبات نفسها.. فعلى المستثمرين أن يتحلوا بالحكمة وألا يفرّطوا فى أصولهم بأسعار بخسة، تحت وطأة الخوف.. فالقرارات الاندفاعية بالبيع، خاصة فى لحظات الذعر، لا تؤدى إلا إلى تعميق الخسائر.