من الألم للسكينة.. روشتة للنجاة وقت البلاء

عندما ينزل البلاء بالمؤمن، لا يكون ذلك إلا امتحانًا إلهيًا عظيمًا، يحمل في طيّاته الخير لمن فقه حكمته، وعرف كيف يتعامل معه بوعي المؤمن وثبات الصابر.
في لحظات الألم والانكسار، يحتاج القلب إلى من يثبته، ولا يكون هذا الثبات إلا بالرجوع إلى الوحي، إلى القرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفى ﷺ، حيث يجد المرء خارطة النجاة، ونور الهداية، وسكينة الإيمان.
يقول الله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}،
ويقول أيضًا:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ… وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
تلك البلاءات ليست عشوائية ولا عبثية، وإنما هي جزء من السنن الربانية التي تهذب النفوس، وتقرّب المؤمن من ربه، وتكشف عن معدن الإنسان، كما تكشف النار عن صفاء الذهب.
البلاء.. ومنح ربانية مخفية
من أعظم أسرار الابتلاء أن فيه منحًا ربانية خفية؛ فالله لا يبتلي عبدًا ليعذبه، وإنما ليرفعه، ويزكيه، ويطهره من ذنوبه. قال رسول الله ﷺ:«إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ».
البلاء يُعلّمنا أن الموت ليس نهاية، بل هو انتقال إلى حياة أبدية. هكذا أدرك الصحابة والتابعون هذا المعنى، فعاشوا وهم على يقين أن الدنيا دار فناء، وأن الأحبة الذين رحلوا، إنما سبقونا إلى الدار الباقية.
نماذج من نور الصبر
يُحكى عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه لم يكن يبقى له ولد، فلما سُئل عن ذلك قال:«الحمد لله الذي يأخذهم مني في دار الفناء ليدّخرهم لي في دار البقاء».
وكأن البلاء في نظره رزق مدخّر في الجنة.
وروى أبو هريرة أن رجلًا قال للنبي ﷺ: «إن أبي مات ولم يوصِ، فهل يُكفّر عنه أن أتصدق عنه؟» قال: «نعم»، هكذا يستمر الإحسان حتى بعد الموت، ويستمر العمل الصالح هدية للأرواح الراحلة.
رسائل البلاء.. إلى قلوبنا
البلاء يذكّرنا بحقيقة الدنيا، وأنها متاع قليل، وزخرف زائل، كما قال تعالى:
{مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}.
وقد عاش نبينا ﷺ كل صور الفقد، من موت الأبناء، إلى فقد الأحبة من الصحابة، ومع ذلك كان دائم الصبر والتسليم لله، وحين مات ابنه إبراهيم قال:«تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا».
إن البلاء مدرسة إيمانية، ومحراب للعودة إلى الله، وهو في حقيقته تكريم لا تعذيب، ورفعة لا إهانة. حين نفقه حكمته، نهدأ، ونرضى، ونوقن أن ما كتبه الله لنا، خيرٌ مما كنا نرجوه، وفي كل مصيبة، نقول بيقين المحبين:
{إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.