بوينغ: من المتوقع أن يزيد الطلب العالمي على السفر الجوي بأكثر من 40% بحلول عام 2030.

توقعت شركة بوينج الأمريكية، أحد أبرز الفاعلين العالميين في صناعة الطيران، أن يشهد العالم زيادة تفوق 40% في الطلب على السفر الجوي بحلول عام 2030، ما يعكس تحوّلاً استراتيجياً كبيراً في هيكل حركة النقل العالمي، ويعزز الحاجة إلى تجديد الأساطيل الجوية واستثمارات ضخمة في قطاع الطيران المدني.
هذا التوقع، الذي أوردته بوينج عبر موقع “زوم بورس”، يتجاوز كونه مجرد مؤشر على انتعاش السفر الجوي؛ بل يعكس تحولات عميقة في الديناميكيات الاقتصادية العالمية، لا سيما في ظل تصاعد معدلات التحضر في الأسواق الناشئة، وعودة النمو في الطبقات المتوسطة، وتطور البنية التحتية للمطارات والنقل الجوي.
سياق ما بعد الجائحة: الطيران كأداة للتعافي الاقتصادي
يأتي هذا التقدير بعد سنوات من الاضطراب الذي سبّبته جائحة كوفيد-19، والتي كانت قد أدّت إلى أسوأ انكماش في تاريخ صناعة الطيران، حيث تراجعت حركة السفر الجوي بنسبة فاقت 60% في عام 2020. ومع ذلك، فإن التعافي اللاحق كان أسرع من المتوقع، مدفوعاً بالطلب المكبوت، والابتكارات في مجالات الطيران منخفض الانبعاثات، واعتماد الحكومات على النقل الجوي كوسيلة للتكامل الاقتصادي.
احتياجات السوق: استثمارات ضخمة في الطائرات وتكنولوجيا الطيران
بوينج أشارت إلى أن هذا النمو سيتطلب من شركات الطيران حول العالم اقتناء آلاف الطائرات الجديدة، لا فقط لتلبية النمو، بل أيضاً لاستبدال الطائرات القديمة غير المتوافقة مع معايير الكفاءة البيئية والانبعاثات. ويتوافق ذلك مع التوجهات الأوروبية والأميركية نحو فرض معايير أكثر صرامة على انبعاثات الكربون، ما يدفع الشركات المصنّعة لتسريع الابتكار في الطائرات الهجينة والكهربائية.
وتتوقع بوينج أن تتركز غالبية الطلب في آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، وهي المناطق التي تشهد توسعاً سكانياً ومعدلات نمو اقتصادي أعلى من المتوسط العالمي، ما يعزز الحاجة إلى ربط جوي دولي وإقليمي أكثر كثافة ومرونة.
الوجهة القادمة: الطيران كأحد أذرع القوة الجيوسياسية
لا يُنظر إلى صناعة الطيران اليوم كمجرد نشاط تجاري، بل كأداة استراتيجية وجيوسياسية. فالدول الكبرى تتسابق لتعزيز مكانتها في هذه الصناعة، سواء عبر دعم شركات تصنيع الطائرات أو الاستثمار في البنية التحتية للمطارات. ومن المتوقع أن تلعب شركات مثل بوينج وإيرباص أدواراً متزايدة في المنافسة على النفوذ الصناعي في السوق العالمية، خصوصاً في مواجهة صعود الصناعات الجوية الصينية.
تأثيرات متوقعة: من سوق العمل إلى الطاقة
هذا النمو المتوقع سيحمل تأثيرات متشابكة، تشمل سوق العمل العالمي، حيث من المرتقب أن ترتفع الحاجة للمهندسين، وطاقم الطيران، ومهنيي الخدمات الأرضية. كما سيؤثر على الطلب على وقود الطائرات، ويدفع نحو تسريع التحوّل إلى وقود الطيران المستدام (SAF) لتقليل البصمة الكربونية للقطاع.
وفي السياق ذاته، من المرجح أن يشهد سوق التأمين، وتمويل الطائرات، والخدمات المساندة للنقل الجوي، انتعاشاً موازياً في ظل هذا النمو، ما سيخلق سلاسل توريد جديدة وتحالفات اقتصادية عابرة للحدود.