الفائدة تنخفض والأسواق تتنفس.. كيف يحرك قرار المركزي عجلة الإنتاج وينعش الاستثمار؟

الفائدة تنخفض والأسواق تتنفس.. كيف يحرك قرار المركزي عجلة الإنتاج وينعش الاستثمار؟

في تحرك يعد من أبرز ملامح التحول في السياسة النقدية المصرية خلال السنوات الأخيرة، اتخذ البنك المركزي قرارا جريئا بخفض أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 225 نقطة أساس، في خطوة عكست مستوى جديدا من الثقة في قدرة الاقتصاد على تجاوز الضغوط التضخمية والعودة إلى مسار النمو المتوازن. 

تأثير خفض الفائدة على الاقتصاد المصري

هذا القرار لم يأت من فراغ، بل جاء محملا برسائل اقتصادية متعددة الدلالات، ليمثل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من التيسير النقدي المدروس، بعد سنوات من السياسات الانكماشية التي فرضتها تداعيات الأزمة العالمية.

وقد تلاقت آراء ممثلي مجتمع الأعمال والقطاعات الإنتاجية في التأكيد على أن القرار لم يكن مجرد خطوة نقدية معزولة، بل تطور استراتيجي يحمل في طياته تحولات جوهرية في مناخ الاستثمار وتكاليف التمويل، خصوصا للقطاعات الحيوية كثيفة رأس المال كالصناعة والزراعة.

خبراء: فرصة لإعادة التوازن ونمو الاستثمار

تأثير خفض الفائدة على الاقتصاد المصري

أكد أحمد الطوخي، نائب رئيس اللجنة المالية والضرائب بالجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال، أن قرار خفض أسعار الفائدة يمثل تطورا محوريا يعكس تحولا واضحاً في السياسة النقدية بعد مرحلة طويلة من التقييد، مشيرا إلى أن توقيت القرار يحمل أبعادا نقدية واقتصادية دقيقة.

وأوضح الطوخي، في تصريحات إعلامية، أن هذا التوجه يؤكد اطمئنان البنك المركزي إلى الاتجاه النزولي للتضخم، خاصة بعد تراجع التضخم الأساسي إلى 9.4% في مارس 2025، وهو أدنى مستوى له منذ نحو ثلاث سنوات. 

وأشار إلى أن الضغوط التضخمية الناتجة عن عوامل العرض الخارجي بدأت في الانحسار، مما أتاح المجال أمام البنك لبدء دورة تيسير نقدي محسوبة.

وأضاف أن هذا القرار لا يمكن قراءته بمعزل عن التطورات العالمية، لاسيما أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بدأت التريث في رفع الفائدة، ما يمنح الاقتصادات الناشئة مثل مصر فرصة لإعادة التوازن بين استهداف استقرار الأسعار ودعم النمو، معتبرا أن خفض الفائدة سيخفف من الأعباء التمويلية على الشركات والأفراد، ويعزز السيولة في الأسواق، ويعيد بناء الثقة في كفاءة السياسات النقدية المصرية.

وشدد الطوخي على ضرورة استكمال هذا التوجه بإصلاحات مالية وهيكلية، تشمل تحفيز بيئة الأعمال، وإعادة هيكلة المنظومة الضريبية، وتكثيف التنسيق بين السياسات المالية والنقدية لضمان التوازن بين النمو والاستقرار.

تأثير خفض الفائدة على القطاع الصناعي

تأثير خفض الفائدة على الاقتصاد المصري

من جانبه، وصف أحمد إسماعيل صبرة، عضو غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات المصرية، وعضو مجلس إدارة المنطقة الصناعية بجمصة، قرار خفض الفائدة بأنه تحرك إيجابي طال انتظاره من جانب القطاع الصناعي، معتبرا أنه فرصة حقيقية لاستعادة التوازن بعد فترة طويلة من الضغوط التمويلية.

وأشار صبرة، في تصريحات إعلامية، إلى أن الصناعات الكيماوية تحديدا كانت من أكثر المتضررين من ارتفاع تكلفة الاقتراض، مما أعاق توسعاتها وخططها المستقبلية، خاصة في ظل تقلبات أسعار المواد الخام عالميًا، مؤكد أن خفض الفائدة سيمنح المصانع القدرة على إعادة جدولة التزاماتها المالية، وضخ استثمارات جديدة لتحسين كفاءة التشغيل.

وأوضح أن القرار يعكس تحسنا حقيقيا في مؤشرات الاقتصاد الكلي، ويؤكد توجه الدولة نحو تعزيز الإنتاج المحلي، لا سيما في المناطق الصناعية الواعدة مثل جمصة، التي تضم مشاريع تصديرية متعددة.

كما أشار إلى أن خفض الفائدة سيساعد على تخفيف عبء التمويل البنكي وتكلفة الفرصة البديلة، ما يفتح المجال أمام توسع أكبر في التشغيل وخلق فرص عمل جديدة، دعيا إلى تبني سياسات داعمة تسرع من صرف مستحقات دعم التصدير، وتيسر إجراءات الحصول على التراخيص الصناعية.

وأكد في ختام تصريحاته ضرورة تبني آلية واضحة لتعزيز تمويل المشروعات الصناعية ذات الأولوية، خاصة تلك التي تعتمد على مدخلات إنتاج محلية وتحقق قيمة مضافة حقيقية.

تأثير خفض الفائدة على الزراعة

تأثير خفض الفائدة على الاقتصاد المصري

أما على مستوى القطاع الزراعي، فقد اعتبر المهندس هيثم الهواري، رئيس لجنة الزراعة بالجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال، أن القرار يمثل متنفسا مهما للقطاع الذي يعاني من أعباء تمويلية ثقيلة.

وقال الهواري، في تصريحات إعلامية، إن الخفض يأتي في توقيت حساس، خاصة مع التحديات المرتبطة بارتفاع أسعار السلع عالميا، وتزايد تكاليف الإنتاج، والتقلبات المناخية، لافتا إلى أن تراجع تكلفة الإقراض سيمكن المزارعين والمستثمرين الزراعيين من التوسع في الإنتاج، ورفع الكفاءة، وتحديث نظم الري والتخزين.

كما أشار إلى أن القرار يحمل رسالة طمأنة مهمة للمجتمع الاقتصادي، بأن مصر بدأت فعلا الدخول في مرحلة من الاستقرار النقدي والسيطرة على التضخم، وهو ما يعزز جاذبية الاستثمار في الزراعة.

ودعا الهواري إلى استثمار هذه اللحظة في تفعيل أدوات التمويل الأخضر والزراعي، من خلال تقديم حوافز موجهة للمشروعات الزراعية الذكية، والطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، مؤكداً أن الجمع بين خفض الفائدة وتوجيه التمويل لأنشطة عالية التأثير هو السبيل لتعظيم العائد من القطاع الزراعي.

وأضاف أن لجنة الزراعة بالجمعية ستواصل التنسيق مع شركاء التنمية والجهات التمويلية لتوفير أدوات مرنة تدعم أولويات الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.

سياسة اقتصادية أكثر توازنا وشمولا

تتقاطع جميع الرؤى والتصريحات الصادرة عن ممثلي القطاعات المختلفة في نقطة واحدة، تتمثل في أن خفض أسعار الفائدة ليس مجرد قرار نقدي تقني، بل تحول نوعي في الرؤية الاقتصادية العامة. 

كما أنه يمثل بداية مسار جديد نحو تخفيف الأعباء التمويلية، وتحفيز الاستثمار، وتعزيز الثقة، وهو ما يتطلب بالضرورة استمرار التنسيق بين السياسات النقدية والمالية، مع التركيز على دعم القطاعات الإنتاجية، وتهيئة بيئة أعمال جاذبة.

وإذا ما استُكملت هذه الخطوة بسياسات داعمة وشاملة، فإن الاقتصاد المصري سيكون أمام فرصة حقيقية لإعادة التموضع وتحقيق معدلات نمو متوازنة ومستدامة في المرحلة المقبلة.