رسوم ترامب تشعل النار.. كيف تحركت الصين لحماية أسواق المال بعد تهديدات الرسوم الجمركية؟

مع اقتراب موعد تطبيق الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على الواردات الصينية في 9 أبريل 2025، تتسارع وتيرة الإجراءات الصينية لتأمين أسواقها المالية وسط تصعيد غير مسبوق في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
فقد بدأت هذه الأزمة بتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 50% على الواردات الصينية، مما أدى إلى تقلبات حادة في الأسواق العالمية، ودفع بكين لتفعيل استراتيجيات متعددة الأبعاد تجمع بين الدفاع الاقتصادي والردع التجاري.
ترامب يشعل التوتر التجاري بين أمريكا والصين
كانت البداية في 3 أبريل 2025، حينما أطلق ترامب شرارة الجولة الجديدة من الصراع التجاري بخطاب متلفز، معلنا فيه خطته لفرض رسوم جمركية “غير مسبوقة” على الواردات الصينية، ومُطلقًا على اليوم التالي لتطبيقها اسم “يوم التحرير التجاري الأمريكي”.
جاء هذا الإعلان بعد أشهر من الخطابات الحمائية التي هيمنت على أجندته السياسية، مما أثار قلق الأسواق العالمية، ولكن كانت المفاجأة حينما حل إغلاق التداول يوم الجمعة 5 أبريل، انخفض مؤشر “داو جونز” بنسبة 5.3%، مسجلاً أسوأ أداء يومي منذ أزمة كوفيد-19، فيما هوت أسعار السلع الأساسية مثل فول الصويا بسبب مخاوف كبيرة من تراجع الطلب عليها.
الصين لم تنتظر طويلا، فقد ردت في اليوم التالي مباشرة بإعلان وزارة التجارة عن فرض رسوم جمركية مضادة بنسبة 34% على الواردات الأمريكية، تشمل المنتجات الزراعية والمعدات الصناعية، على أن تدخل حيز التنفيذ في 10 أبريل.
الصين ترفض سياسات التنمر الأمريكية
وتصاعد الخطاب الرسمي الصيني يوم السبت الماضي، بعد انخفاض مؤشر “داو جونز”، وذلك عندما نشر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، منشورًا على صفحته الرسمية على فيسبوك، جاء فيه: “السوق قالت كلمتها، والعالم يرفض سياسات التنمر الأمريكية.. الصين ستقف صامدة دفاعًا عن مصالحها”.
منشور المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أشار ضمنيا إلى الانخفاضات الحادة في الأسواق كدليل على فشل النهج الأمريكي، واليوم، أكد جيان، في مؤتمر صحفي، أن الصين “سترد بكل قوة” على أي محاولات لتقويض اقتصادها.
كيف تحركت الصين لحماية أسواقها؟

في مواجهة الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة، اعتمدت الصين نهجا استراتيجيا متعدد المحاور يهدف إلى حماية استقرارها المالي، تعزيز قدرتها التنافسية، وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، وتجمع هذه الاستراتيجية بين الإجراءات الدفاعية لامتصاص الصدمات الاقتصادية والتحركات الهجومية للرد على التحديات التجارية، مما يعكس مرونة بكين وقدرتها على التكيف مع أزمة قد تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، وبدأت بكين في تنفيذ الآتي:
1. تعزيز الاستقرار المالي الداخلي
اتخذ البنك المركزي الصيني خطوة استباقية بخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك بمقدار 0.5 نقطة مئوية، مما أطلق سيولة بقيمة 1.2 تريليون يوان (170 مليار دولار) لدعم الإقراض وتخفيف الضغوط على القطاعات المتضررة.
وساهم هذا الإجراء في استقرار مؤشر “سي إس آي 300″، الذي أغلق عند 3929 نقطة يوم الإثنين بعد تقلبات أولية، وتتجه الحكومة، وفقا لمصادر مطلعة، نحو إطلاق حزمة تحفيز مالي بقيمة 2 تريليون يوان، تركز على تسريع مشاريع البنية التحتية لتعويض أي انخفاض في الصادرات إلى أمريكا، التي بلغت 440 مليار دولار في 2024.
2. إعادة توجيه التجارة العالمية
لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية، كثفت الصين جهودها لتنويع شراكاتها التجارية، ففي الأسابيع الأخيرة، أبرمت اتفاقيات مع دول مثل صربيا (بقيمة 3 مليارات دولار) والإكوادور (2 مليار دولار)، بهدف إعادة توجيه فائض السلع المُقدر بـ400 مليار دولار بعيدًا عن الولايات المتحدة، كما تسعى بكين لتعميق علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، رغم التحديات الناجمة عن رسوم الاتحاد على السيارات الكهربائية الصينية.
3. إدارة اليوان بحذر

يظل خفض قيمة اليوان خيارا محفوفا بالمخاطر على طاولة بكين، بينما يمكن أن يعزز هذا الإجراء تنافسية الصادرات، ويثير حرب عملات وتفاقم التوترات مع واشنطن.
الرئيس شي جين بينغ، الذي يعتبر استقرار العملة ركيزة للثقة الوطنية، يفضل تجنب هذه الخطوة، مفوضا البنك المركزي بتدخلات محدودة حافظت على اليوان عند 7.12 مقابل الدولار.
وفي النهاية، قد تظهر تحركات الصين استجابة منهجية لتصعيد الحرب التجارية، تجمع بين تعزيز الاستقرار الداخلي، تنويع الأسواق، والحفاظ على اتخاذ موقف حازم ضد ترامب، ومع اقتراب تطبيق الرسوم الأمريكية غدًا، تبدو بكين في وضع يمكنها من امتصاص الصدمة الأولية، لكن هل تنجح بكين في مواجهة امريكا اقتصاديا دون جر الاقتصاد العالمي إلى هاوية جديدة؟.. هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.