سيطرة وسياسات نقدية قوية.. كيف يقود البنك المركزي المصري دفة الاقتصاد بثبات؟

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، يواصل البنك المركزي المصري بقيادة حسن عبدالله دوره الحيوي في صياغة سياسة نقدية تهدف إلى استقرار الجنيه المصري وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي.
وخلال السنوات الأخيرة، اتخذ البنك المركزي سلسلة من القرارات الجريئة لمواجهة التضخم، ضبط سعر الصرف، ودعم الاقتصاد الكلي، مما جعله محور اهتمام المحللين والمواطنين على حد سواء.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض أبرز إجراءات البنك المركزي المصري وتأثيرها على الجنيه وآفاق النمو الاقتصادي لعام 2025.
تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف
ومن أبرز القرارات التي اتخذها البنك المركزي في السنوات الأخيرة كان تعويم الجنيه في مارس 2024، وهو القرار الذي جاء بعد فترة طويلة من الضغوط على العملة المحلية بسبب نقص العملات الأجنبية وارتفاع الطلب على الدولار.
وهذا القرار سمح لسعر الصرف أن يتحدد وفقًا لآليات السوق، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه بشكل ملحوظ في البداية، حيث تجاوز سعر الدولار من 50 جنيهًا في نوفمبر 2024، ومع ذلك، أكد البنك المركزي أن هذه الخطوة كانت ضرورية للقضاء على السوق الموازية وتخفيف تراكم الطلب على العملات الأجنبية، مما ساهم في تحسين تدفقات النقد الأجنبي تدريجيًا.
ووفقًا لخبراء اقتصاديين، مثل جيمس سوانستون من مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”، فإن سياسة التعويم ساعدت في تقليل التقلبات في سوق الصرف، على الرغم من توقعات باستمرار انخفاض طفيف في قيمة الجنيه حتى نهاية 2025.
وهذه السياسة، رغم تحدياتها الأولية، عززت من جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية وساهمت في استقرار توقعات السوق.
تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم
وللحد من الضغوط التضخمية، لجأ البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر خلال السنوات الماضية، وفي فبراير 2025، قررت لجنة السياسة النقدية الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، معتبرة أن هذا الإجراء يتماشى مع الحاجة إلى الحفاظ على سياسة نقدية تقييدية لضمان انخفاض مستدام في معدلات التضخم.
ووفقًا لبيان صادر عن البنك المركزي في فبراير 2025، من المتوقع أن يشهد التضخم تراجعًا ملحوظًا خلال الربع الأول من 2025، مدفوعًا بالتأثير التراكمي للتشديد النقدي وتأثير قاعدة المقارنة الإيجابية.
ةهذا التراجع يعكس نجاح البنك في احتواء الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا، مثل الحبوب، والتوترات الجيوسياسية التي أثرت على سلاسل التوريد.
دعم النمو الاقتصادي
وبالتوازي مع جهود ضبط الجنيه والتضخم، يعمل البنك المركزي على تعزيز النمو الاقتصادي من خلال سياسات داعمة للقطاعات الإنتاجية، والمؤشرات الأولية للربع الرابع من 2024 أظهرت نموًا اقتصاديًا بوتيرة أسرع من الربع الثالث الذي سجل 3.5%، مدفوعًا بتحسن أداء قطاعي الصناعة التحويلية والنقل.
وتشير التوقعات إلى استمرار هذا التعافي خلال 2025، مع تركيز الحكومة على زيادة الصادرات بنسبة 20% سنويًا لتصل إلى 145 مليار دولار بحلول 2030، وفقًا لوثيقة توجهات الاقتصاد المصري 2024-2030.
والبنك المركزي دعم أيضًا الشمول المالي، حيث أطلق فعاليات لتعزيز الخدمات المصرفية للمرأة والشباب، ةهذه الخطوات تهدف إلى تقليل الاعتماد على النقد وتشجيع التحول إلى المدفوعات الإلكترونية، مما يعزز الكفاءة الاقتصادية.
التحديات المستقبلية
وعلى الرغم من التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات تواجه السياسة النقدية، والتوترات الجيوسياسية، مثل الصراعات في المنطقة، وتذبذب أسعار السلع الأساسية عالميًا، تشكل مخاطر على توقعات التضخم والنمو.
كما أن إجراءات ضبط المالية العامة، مثل تقليص الدعم على الوقود، قد تؤثر على الأسعار المحلية في المدى القصير، ومع ذلك يؤكد البنك المركزي على استعداده لاستخدام كافة الأدوات المتاحة لضمان استقرار الأسعار ودعم النمو.
ويظل البنك المركزي المصري في صدارة الجهود لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر، من خلال سياسات نقدية مرنة ومدروسة، وقرارات مثل تعويم الجنيه، رفع الفائدة، ودعم الشمول المالي أسهمت في تعزيز استقرار العملة وتحفيز النمو، رغم التحديات العالمية والمحلية.
ومع توقعات بتراجع التضخم واستمرار التعافي الاقتصادي في 2025، يبقى السؤال: هل ستتمكن هذه السياسات من تحقيق التوازن بين استقرار الجنيه وتطلعات المصريين لتحسين مستوى المعيشة؟، والإجابة حتى الآن كان البنك المركزي المصري على قدر المسؤولية وسيطر على الأوضاع.