بعد ارتفاع التضخم خلال مارس.. هل يبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة مرتفعة؟

في الوقت الذي كانت تتطلع فيه الأسواق إلى مؤشرات أكثر استقرارا تعكس تباطؤ موجة التضخم في مصر، جاءت بيانات شهر مارس لتعيد رسم المشهد من جديد، بعد أن سجل التضخم السنوي ارتفاعا ملحوظا إلى 13.6% مقابل 12.8% في فبراير، وفقًا لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
هذا الارتفاع المفاجئ يأتي بعد ستة أشهر من التباطؤ النسبي، الأمر الذي يفرض تحديا حقيقيا أمام البنك المركزي المصري الذي بات مطالبا بإعادة النظر في استراتيجيته النقدية، التي اعتمدت خلال الفترة الماضية على الرفع المتوالي لأسعار الفائدة، في محاولة لكبح جماح التضخم، والحد من تآكل القوة الشرائية، والحفاظ على استقرار سوق الصرف.
ومع تزايد وتيرة التضخم من جديد، تبرز تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان البنك المركزي سيواصل سياسة التشديد النقدي، أم أنه سيفضل التثبيت مؤقتا ترقبا لمؤشرات أكثر وضوحا خلال الربع الثاني من العام، لا سيما في ظل تقاطعات داخلية وخارجية شديدة التأثير، من بينها مسار أسعار السلع عالميا، بالإضافة إلى التوترات التي يشهدها الاقتصاد العالمي نتيجة قرارات الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
خبراء: المركزي ينتظر انفراجة عالمية قبل تحريك سعر الفائدة
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي أحمد خطاب إن البنك المركزي المصري لن يتعجل في اتخاذ قرار جديد بشأن أسعار الفائدة، في ظل حالة عدم اليقين العالمي الناجمة عن التصعيد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وكندا والمكسيك، والتي تتضمن فرض رسوم جمركية متبادلة تُنذر بموجة تضخم عالمية جديدة.
وأوضح خطاب، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن انعكاسات هذه الحرب التجارية لن تكون بعيدة عن مصر، بل ستؤثر على الأسواق كافة، ما يجعل البنك المركزي مضطرا للانتظار حتى تتضح الصورة بشأن استقرار أسعار السلع والخدمات عالميا، قبل أن يعيد تقييم موقفه من الفائدة.
لماذا يؤثر معدل التضخم على سعر الفائدة؟
وأضاف: “رفع الفائدة كان في الأساس أداة للسيطرة على التضخم، وبالتالي فإن تراجع التضخم هو الشرط الأول والأساسي لخفض الفائدة لاحقا، أما إذا استمر الاتجاه التصاعدي لمؤشر الأسعار، فلن يكون هناك مجال أمام المركزي لتخفيف السياسة النقدية دون الإخلال باستقرار السوق”.
وأشار “خطاب”، إلى أن أي قرار بخفض الفائدة في المستقبل لن يكون معزولا عن اعتبارات أخرى، مثل تحسن عائدات قناة السويس، وزيادة تدفقات تحويلات المصريين بالخارج، واستقرار الوضع السياسي والعسكري في الإقليم، إلى جانب دخول استثمارات أجنبية مباشرة تُخفف من الضغط على العملة وتدعم الاحتياطيات الأجنبية.
ضرورة خلق بيئة اقتصادية آمنة

وأكد خطاب أن خلق بيئة اقتصادية آمنة وهادئة سيكون مفتاحا لقرارات التيسير النقدي، إذ لا يمكن المغامرة بتخفيض الفائدة دون وجود ضمانات حقيقية بعدم انفلات التضخم مجددا، خصوصا بعد الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة للسيطرة عليه خلال الفترة الماضية.
واختتم “خطاب” تصريحه قائلا: “معدل التضخم سيظل دائما المؤشر الرئيسي الذي يبنى عليه قرار سعر الفائدة، سواء بالتثبيت أو الخفض أو الرفع، باعتباره المحدد الأساسي لاستقرار الأسواق وثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء”.
عودة التضخم للارتفاع.. ضغوط موسمية أم تحوّل هيكلي؟
وبالعودة إلى بيانات التضخم الأخيرة، فإن القفزة في مؤشر الأسعار خلال مارس كانت مدفوعة بارتفاع أسعار الطعام والمشروبات بنسبة 2.9% على أساس شهري، مدفوعة بشكل خاص بزيادة أسعار الفاكهة التي قفزت بأكثر من 23%، بالتزامن مع شهر رمضان الذي يشهد عادة زيادة ملحوظة في معدلات الاستهلاك، ما يرجح وجود عوامل موسمية تقف وراء هذا الارتفاع، إلى جانب الضغوط المستمرة من تكاليف النقل والطاقة.
وعلى الرغم من هذه الزيادة، إلا أن بيانات البنك المركزي المصري أظهرت تباطؤًا في معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني السلع الأشد تقلبا، ليسجل 9.4% في مارس مقابل 10% في فبراير، ما يعكس قدرا من التماسك في بعض مكونات سلة الأسعار، ويعطي مساحة للمركزي لقراءة أعمق قبل اتخاذ قراره القادم.
البنك المركزي سيواصل الحذر والترقب في أسعار الفائدة

ووفقا لمحللين، فإن التباين بين التضخم العام والأساسي يعكس حالة “المفترق” التي تقف أمامها السياسة النقدية، إذ إن التضخم لم يفلت بعد، لكنه لم يستقر أيضا، ما يجعل أي تحرك للفائدة محفوفا بالحسابات الدقيقة.
وفي ظل التوقعات الصادرة عن مؤسسات مالية دولية مثل “جولدمان ساكس” التي ترجح بقاء معدل التضخم السنوي حول مستوى 13.4% بنهاية العام، يبدو أن البنك المركزي المصري سيواصل نهج “الحذر والترقب”، إلى حين استقرار الأوضاع داخليا وخارجيا، بما يعيد رسم خارطة السياسات المالية والنقدية خلال النصف الثاني من 2025.