الاقتصاد البحري: كيف تستعد مصر لتكون قوة بحرية واقتصادية عالمية

الاقتصاد الأزرق.. مصطلح يمثل أحد المفاهيم الحديثة التي تشهد اهتمامًا متزايدًا على المستوى العالمي، باعتباره مسارًا لتحقيق التنمية المستدامة من خلال استغلال الموارد البحرية بطريقة متوازنة بيئيًا واقتصاديًا وهو ما تتميز به مصر عن غيرها لأنها تملك من موقع جغرافي متميز وسواحل طويلة تمتد على البحرين الأحمر والمتوسط، مما يجلعل الدولة المصرية تسعى بقوة لترسيخ مكانتها كقوة بحرية واقتصادية عالمية من خلال تبني هذا التوجه الاستراتيجي.. في هذا التقرير من بانكير نوضح ما هو الاقتصاد الأزرق وكيف تستعد مصر لتصبح قوة بحرية واقتصادية في العالم:
ما هو الاقتصاد الأزرق؟
الاقتصاد الأزرق يشير إلى استخدام البحار والمحيطات والموارد البحرية في الأنشطة الاقتصادية مثل النقل البحري، وصيد الأسماك، والسياحة الساحلية، والطاقة المتجددة من البحر (مثل طاقة الرياح والأمواج)، وتحلية المياه، والبيوتكنولوجيا البحرية، وغيرها، بشرط الحفاظ على البيئة البحرية وتحقيق الاستدامة.
مقومات مصر الطبيعية في الاقتصاد الأزرق
تمتلك مصر العديد من المقومات التي تجعلها مؤهلة لقيادة الاقتصاد الأزرق في المنطقة، منها:
الموقع الجغرافي الفريد: تتحكم مصر في أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، وهو قناة السويس، التي تربط بين البحر الأحمر والمتوسط وتعد شريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية.
السواحل الطويلة: تمتد سواحل مصر لأكثر من 3000 كم على البحرين الأحمر والمتوسط، ما يمنحها فرصًا ضخمة في مجالات الصيد، والسياحة البحرية، والطاقة المتجددة.
ثروات بحرية متنوعة: تحتوي المياه الإقليمية المصرية على ثروات سمكية ومعدنية، بالإضافة إلى اكتشافات هائلة في الغاز الطبيعي، مثل حقل ظهر وغيره.
خطوات مصر نحو تعزيز الاقتصاد الأزرق
تسير مصر على خطى مدروسة لتطوير اقتصادها الأزرق، من خلال عدد من المبادرات والمشروعات الكبرى، منها
تطوير الموانئ البحرية
تسعى مصر إلى تحويل موانئها إلى مراكز لوجستية عالمية، خاصة ميناء الإسكندرية، وميناء دمياط، وميناء شرق بورسعيد، ضمن خطة لتوسيع القدرة الاستيعابية ورفع الكفاءة الفنية والتكنولوجية.
كما شهد ميناء العريش طفرة كبيرة في تطوير مرافقه، حيث أُنشئت أرصفة جديدة تمتد على طول 915 مترًا، ليصل إجمالي طول الأرصفة إلى 1165 مترًا، مع تخصيص استثمارات بقيمة نحو 4 مليارات جنيه لإنشاء مساحات تخزينية جديدة وساحات موسعة. عقب إعادة تشغيل الميناء، استقبل أكثر من 50 سفينة بحمولة إجمالية تجاوزت 216 ألف طن، مما يعزز دوره الحيوي في دعم التجارة الإقليمية وتعزيز الاقتصاد المحلي.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت عدة موانئ استراتيجية أخرى مثل ميناء الإسكندرية، ميناء سفاجا، وميناء طابا، عمليات تطوير واسعة، بهدف رفع كفاءتها وزيادة قدرتها على استقبال السفن وخدمة التجارة البحرية.
قناة السويس.. والاستثمار في الطاقة المتجددة البحرية
تمثل قناة السويس الجديدة نقطة تحول في تعزيز الاقتصاد الأزرق، إذ ترافقت مع إنشاء منطقة اقتصادية متكاملة تضم صناعات بحرية، مراكز تموين السفن، ومناطق تجارية ولوجستية وبدأت مصر في استكشاف الفرص المتاحة في طاقة الرياح البحرية والطاقة الشمسية على السواحل، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق التنمية المستدامة.

وتلعب قناة السويس دورًا محوريًا في الاقتصاد الأزرق المصري، حيث تعبرها سنويًا حوالي 19,000 سفينة، أي ما يعادل 50 سفينة يوميًا، تحمل بضائع تقدر قيمتها ما بين 3 إلى 9 مليارات دولار يوميًا. وبفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، تعد القناة مركزًا إقليميًا هامًا لنقل النفط ومشتقاته، إذ يمر عبرها ما بين 7 إلى 10% من النفط العالمي، بالإضافة إلى 8% من الغاز الطبيعي المسال، وحوالي مليون برميل نفط يوميًا.
تطوير قطاع الثروة السمكية.. وتعزيز السياحة الساحلية والبيئية
أنشأت مصر عددًا من أكبر المزارع السمكية في الشرق الأوسط، مثل مشروع بركة غليون في كفر الشيخ، والذي يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك وزيادة الصادرات كما تعمل مصر على تنشيط السياحة في مناطق البحر الأحمر وسيناء، مع الحفاظ على الشعاب المرجانية والبيئة البحرية، لجذب السياحة البيئية والغوص.

تحديث أسطول الصيد وتعزيز الإنتاج السمكي
وشهد قطاع الصيد البحري في مصر تطورات نوعية خلال السنوات الماضية، في إطار جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات البحرية وزيادة حجم الصادرات.
وتتمثل أبرز ملامح هذا التطوير في:
تحديث أسطول الصيد: تعمل الحكومة على تصنيع مراكب صيد حديثة تلتزم بالمعايير البيئية وتتميز بكفاءة تشغيلية عالية، ما يساعد على زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف.

تطبيق تقنيات متقدمة: تم تزويد العديد من السفن بأنظمة ملاحة ورصد متطورة، تساعد على تحسين عمليات الصيد وتقليل الفاقد البحري.
تنظيم مناطق الصيد: وضعت السلطات خططًا للحفاظ على الموارد السمكية من خلال تنظيم مواسم الصيد وتطوير برامج الاستزراع السمكي لضمان استدامة المخزون.
تطوير موانئ الصيد: جرى تحديث موانئ الصيد الرئيسية مثل ميناء العريش وموانئ البحر الأحمر، لتوفير بنية تحتية متقدمة للصيادين، وتحسين عمليات التخزين والتوزيع.
تعزيز الصادرات: تسعى مصر إلى رفع جودة منتجاتها البحرية والالتزام بالمعايير الدولية، مما يفتح أسواقًا تصديرية جديدة ويزيد من تنافسية المنتج المصري في الأسواق العالمية.