خيارات الفيدرالي الأميركي في مفترق طرق: بين تباطؤ النمو ومخاوف التضخم

في ضوء التطورات الأخيرة التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، تتعزز حالة الترقب بشأن توجهات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، لا سيما مع استمرار الضغوط التضخمية وظهور مؤشرات على تباطؤ النمو. الاجتماع الأخير للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية عكس توجهاً واضحًا نحو التريث، في ظل مفاضلة دقيقة بين الحفاظ على استقرار الأسعار وحماية وتيرة التعافي الاقتصادي.
الفائدة: تثبيت حذر ومراقبة دقيقة للبيانات
أنهى الفيدرالي اجتماعه الأخير بالإبقاء على أسعار الفائدة ضمن النطاق 4.25% – 4.5%، في خطوة تعكس استراتيجية “الانتظار والترقب”. التصريحات الصادرة عقب الاجتماع كشفت عن إدراك عميق لحجم المخاطر المزدوجة التي يواجهها الاقتصاد: من جهة، التضخم الذي لم يهبط بعد إلى المستويات المستهدفة؛ ومن جهة أخرى، بوادر الضعف في معدلات النمو وسوق العمل.
المؤسسة النقدية تتجه إلى ربط قراراتها المستقبلية بسلسلة من المؤشرات الاقتصادية، على رأسها مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، وأسعار المستهلكين، إلى جانب تطورات سوق العمل.
معضلة الرسوم الجمركية وتأثيرها على التوقعات
الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الإدارة الأميركية جاءت أكبر من المتوقع، مما انعكس بشكل مباشر على بيانات الربع الأول من العام. هذه الرسوم قد تؤدي إلى رفع الأسعار محلياً، ما يضع الفيدرالي أمام معادلة صعبة: هل يتعامل مع هذه الزيادة باعتبارها تضخمًا عابرًا؟ أم يتخذ خطوات لمواجهتها برفع جديد في أسعار الفائدة؟ الإجابة مرهونة بمدى تأثير هذه الرسوم على النشاط الاقتصادي والطلب المحلي خلال الفترة المقبلة.
ثلاثة محاور حاسمة تحدد المسار النقدي
الاستراتيجية الحالية للسياسة النقدية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية:
سوق العمل: لا تزال بيانات التوظيف تعكس صلابة نسبية، وهو ما يمنح الفيدرالي مساحة زمنية لمراقبة التطورات دون استعجال الخفض.
معدل التضخم: على الرغم من تراجع المؤشر العام، لا يزال بعيداً عن هدف 2%، وهو ما يُبقي الحذر سيد الموقف.
النمو الاقتصادي: الانكماش المسجل في الربع الأول، إلى جانب التوترات التجارية، يضعان ضغطًا مضاعفًا على صناع القرار، وسط تخوف من الدخول في دائرة ركود تضخمي.
الاتجاهات المستقبلية: خفض مؤجل أم تثبيت ممتد؟
السيناريو الأكثر ترجيحًا يتمثل في استمرار التثبيت لفترة أطول مما كان متوقعًا سابقًا، إلا في حال تسجيل تراجع واضح في التضخم واقترابه من مستويات 2.3% أو دونها، أو في حال حدوث تباطؤ حاد في سوق العمل. التقديرات تشير إلى أن أول خفض محتمل قد يُطرح على الطاولة في اجتماع سبتمبر المقبل، ولكن أي تصعيد في الرسوم الجمركية أو تحولات مفاجئة في البيانات الاقتصادية قد تؤجل هذا المسار.
يتعامل مجلس الاحتياطي الفيدرالي مع وضع بالغ الحساسية، حيث يتعين عليه أن يوازن بين مخاطر التضخم وتحديات النمو، دون أن يفقد مصداقيته أو يضر بثقة الأسواق. وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، تظل قراراته رهينة بالتطورات الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة، ما يجعل كل اجتماع مقبل نقطة تحول محتملة في السياسة النقدية الأميركية.