تحليل للصراع بين إسرائيل وإيران والرسائل من مصر

تحليل للصراع بين إسرائيل وإيران والرسائل من مصر

إياكم واليأس، أو السقوط في فخاخ سوء تقدير الموقف، فنتائج الضربات الإسرائيلية الصادمة التي وجهها الكيان الصهيوني لإيران في الثالثة فجر اليوم الجمعة، ليست ثمرة تفوق إسرائيلي مُطلق بقدر ما هي نتيجة ضعف المستهدف وتراكم أخطائه.

إيران تم اختراقها استخباراتيًا، واستنزفت سياساتها الخاطئة قدراتها على صناعة الأذرع الخارجية، في لبنان واليمن والعراق، فإذا بالأذرع تُبتر، وتنكشف داخليًا، في جولة هي الأصعب منذ نشأة نظام الملالي 1979، لكنها جولة والصراع لم يُحسم بعد. ما يحدث الآن ليس وليد صدام الأشهر الماضية بل تم التخطيط له من عقود تحديدًا عقب هزيمة إسرائيل في أكتوبر 1973، درس العدو أسباب هزيمته ومن خلفه أمريكا، وبدأ التخطيط لتفكيك عناصر القوة المصرية العربية للحيلولة دون هزيمة الاحتلال في أي صراع مستقبلي. 

الهدف الأول للاحتلال الصهيوني:

 تدمير الجيوش العربية التي دعمت مصر، وتفكيك الدول الوطنية المحيطة بالكيان، لتحقيق تفوق نوعي للاحتلال في الإقليم.استثمر الحليفان أمريكا وإسرائيل، نشأة نظام الملالي 1979 على أسس مذهبية، وأطماع التمدد الفارسي، لإشعال صراع عسكري مع العراق، لاستنزاف الجيش العراقي، وبالفعل استمرت الحرب ثمان سنوات، بدعم خفي لطرفيها، لتنتهي بإنهاك العراق، وما هي إلا سنوات حتى تحقق الهدف احتلال أمريكا للعراق وإسقاط بغداد.توالت مخططات استهداف الدولة الوطنية العربية، لينتقل إلى التدمير من الداخل، خاصة دول الطوق ليتم تدمير جيوشها بأيادي أبنائها، عبر استثمار أخطاء بعض الأنظمة ورغبات الشعوب في التغيير للتحكم في درجة المعادلة السياسية للانحراف بها إلى التخريب والتدمير، تم إسقاط اليمن وليبيا والسودان وسوريا مؤخرًا. ولك أن تتذكر أول قرار للحاكم الأمريكي بريمر عقب سقوط بغداد كان حل جيش العراق، بينما كان أول قرار لنتنياهو مع سقوط بشار الأسد، قصف سلاح الجو الإسرائيلي البنية التحتية للجيش السوري وتدمير قدراته ليصعب بناؤه قبل خمسين عامًا، مع التهام المزيد من الأراضي السورية. 

الهدف الثاني: شق الصف العربي الإسلامي

 استخدمت أمريكا وإسرائيل إيران فزاعه مذهبية، لتحقيق أهدافهما:١- تدمير دول عربية وطنية العراق نموذجًا٢- إقامة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة بزعم الحماية من الخطر الإيراني.٣- تحقيق أرباح مالية من صفقات السلاح للدول التي ترى في إيران ومشروعها المذهبي تهديدًا لها. واستخدمت إيران شعارات المقاومة والممانعة لخلق أذرع مذهبية لخلق نفوذ في الدولة الوطنية العربية:١- خلق أذرع ذات ولاءات مذهبية لا وطنية مثل حزب الله اللبناني والحوثي اليمني وغيرها من الميليشيات في عدد من بلدان المنطقة.٢- حققت إيران النفوذ بالولاءات المذهبية، لكنها استنفدت قدراتها المالية، وخلقت عداءات سياسية مع بلدان المنطقة الرافضة لانتهاك السيادة الوطنية.٣- خسرت إيران اقتصاديًا فكان دعم الأذرع الخارجية على حساب معدلات التنمية في الداخل ومع الضربات الموجعة لحزب الله وسقوط نظام الأسر خسرت إيران ذراعًا وحليفًا وما أنفقته لتعزيز قدراتهم لسنوات، وهذا ينعكس على ضعف منظومة الدفاع الجوي الإيراني الذي بدا اليوم.  تلك المصالح المتبادلة بين أمريكا وإسرائيل وإيران كانت أشبه بتحالف الخفاء، عداء معلن ومصالح متبادلة، حالت دون المواجهة العسكرية لأكثر من 40 عامًا، تاريخ بدء الخلافات الظاهريّة.

لماذا المواجهة المسلحة اليوم؟

١- تم تحقيق هدف تدمير عدد من الدول العربية، وحفظ الله مصر فقد عبرت بقوة شعبها وجيشها تلك المحن.٢- تم بتر أذرع إيران وفي مقدمتها حزب الله الذي كانت تعول عليه إيران للرد على إسرائيل حال تعرضها لهجوم لجواره الجغرافي للاحتلال الصهيوني.٣- تحقيق هدف التواجد في الخليج العربي، وبدء شراكات استراتيجية أمريكية وخطوات نحو تطبيع العلاقات.٤- الرغبة في تصفية القضية الفلسطينية ومخطط التهجير لتنفيذ ممر التنمية الأمريكية في مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني، وتنفيذه وتأمينه يتطلب القضاء على الفاعلين غير النظاميين أي الحركات المسلحة التي تعمل خارج نطاق الجيوش الوطنية، وجميعها تتلقى دعمًا إيرانيًا.

إذن الهدف الثالث الآن:

هو إسقاط النطام الإيراني لضمان عدم إعادة بناء الأذرع المذهبية التي انتهى دورها الوظيفي.كيف حققت إسرائيل ضرباتها التي لا تزال مستمرة حتى الآن دون أدنى مقاومة إيرانية تذكر؟١- خداع استراتيجي وتكتيكي حقق عنصر المفاجأة، وهذه الخطة شارك فيها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي بتصريحات تزعم رفضه التصعيد في حين تم التنسيق للضربة.٢- الاختراقات الاستخباراتية في مستويات متقدمة في النظام الإيراني، وأدلة ذلك كثيرة:أ- الاستهداف الدقيق لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة طهران خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشيكان، أكد أن إيران مخترقة بشبكة جواسيس وعملاء للموساد وهو ما يتطلب مراجعة الأسباب الحقيقية لمقتل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في حادث المروحية.ب- بثت إسرائيل فيدوهات لعملاء لها ينفذون عمليات من داخل طهران بمسيرات لاستهداف مراكز تحكم وسيطرة ودفاعات جوية إيرانية، وهو ما يعني أن العملية مركبة من الداخل والهجمات الجوية.ج- في حديث سابق للرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد قال إنهم أسسوا فريقًا لكشف الجواسيس اكتشفوا فيما بعد أن رئيس هذا الفريق جاسوس إسرائيلي وكان معه خلية كاملة لم يتم كشفها، سربت الملف النووي، منتقدًا إهمال مواصلة التحقيقات لكشفها.إذن إيران مخترقة وما حدث اليوم نتيجة ذلك، فقد تم اغتيال قيادات الصف الأول بالجيش الإيراني رئيس الأركان ورئيس الحرس الثوري وقادة القوات الجوية والبحرية، وعدد من علماء البرنامج النووي، فضلًا عن مراكز التحكم والسيطرة ودفاعات جوية ومنشآت نووية لتحقيق الإرباك وشل القدرة على التصدي للهجمات التالية.٣- الدعم الأمريكي من خلال طائرات التزود بالوقود في الجو والدعم العسكري والاستخباري. 

تطور الأوضاع المحتمل

 ١- سترد إيران لمحاولة استعادة جزء من هيبتها التي تلاشت اليوم أمام الرأي العام العالمي.٢- تآكل تدريجي لثقة الشعب الإيراني في النظام الحاكم ستظهر مع وقف إطلاق النار بما يهدد بقاءه، وإن اختفت بفعل التلاحم في مواجهة العدوان فترة استمراره.٣- سيكون أكبر تحدٕ لقاء الاختراق الاستخباري الذي لم يقتصر فقط على الداخل الإيراني بل في حزب الله أيضًا وظهر ذلك في عملية البيجر، وكذلك اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، فهذه الاختراقات تهدد إيران بمزيد من الخسائر، وتضعف من فرص نجاح عمليات الرد.٤- مع هذه الخسائر الإيرانية سيتجه النظام الإيراني لرد محسوب يحول دون الدخول في حرب شاملة لضعف القدرات الدفاعية الإيرانية، وقد يكون الرد رشقات صاروخية بالستية إيرانية تستهدف تل أبيب وعمليات ينفذها سلاح البحرية الإيرانية ضد المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر.٥- ستواصل إيران المفاوضات التي تتوسط فيها سلطنة عمان وأمريكا لإيجاد مخرج للأزمة، ولكن تلك المفاوضات مصيرها الفشل وربما يلجأ الطرفان لهدنة تحت اتفاق إذا تأكدت إسرائيل من نجاحها في إعاقة ضرباتها لقدرات إيران النووية.

الإقليم:

١- يؤدي الصراع القائم إلى مزيد من التوترات ويضاعف من الأزمات الاقتصادية والتأثير على الملاحة الدولية.٢- الصين ستدعم إيران بطرق غير مباشرة، دبلوماسيا، حفاظًا على النفط الإيراني الذي تعد الصين المستورد الرئيسي له.٣- روسيا يصب في مصلحتها الصراع الإيراني الإسرائيلي وامتداده لأمريكا لتخفيف ضغط الدعم الأمريكي لأوكرانيا.٤- سيجتمع مجلس الأمن بناءً على طلب إيران لانتهاك إسرائيل القانون الدولي، ستساند الصين وروسيا إيران لكن الفيتو الأمريكي سيحبط أي قرار ضد إسرائيل.٥- يكتسب الرد الإيراني شرعية دولية دفاعًا عن النفس، لكن يبقى هذا الرد مرهونًا بقدرات إيران المصدومة اليوم، ومع ذلك تظل اندلاع حرب شاملة قائمة لكنها في نطاق احتمالات ضعيفة.٦- تمتلك إيران تكنولوجيا متقدمة في المسيرات والصواريخ البلاستيك وهذا الاحتمال الأكبر للرد. 

الموقف المصري الواضح

 بعثت مصر برسائل واضحة، أدانت الهجمات العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي فجر الجمعة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تمثل تصعيدا إقليمًيا سافرًا وغير مبرر، يؤدي إلى مزيد من إشعال فيتيل الأزمة وصراع أوسع في الإقليم.وتضمن بيان وزارة الخارجية الصادر صباح اليوم ست رسائل مباشرة وواضحة تعكس موقف مصر الذي يمثل صوت العقل في عامل ينجرف إلى الهاوية وهي:١- تدين جمهورية مصر العربية الهجمات العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية فجر اليوم ١٣ يونيو ۲۰۲۵.٢- تمثل الهجمات تصعيدا إقليميًا سافرًا بالغ الخطورة، وانتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الإقليمي والدولي.٣- تتابع مصر بقلق بالغ التطورات الحالية المتسارعة، وتستنكر هذا العمل غير المبرر وترى أنه:أ- سيؤدي إلى مزيد من إشعال فتيل الأزمة ويقود إلى صراع أوسع في الإقليم.ب- ينتج عنه تداعيات غير مسبوقة على أمن واستقرار المنطقة.ج- يعرض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ ويهدد بانزلاق المنطقة بأكملها إلى حالة من الفوضى العارمة.٤- تجدد مصر تأكيدها على أنه لا توجد حلول عسكرية للأزمات التي تواجهها المنطقة وإنما عبر الحلول السياسية والسلمية.٥- تؤكد مصر أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لأي دولة في المنطقة بما في ذلك إسرائيل.٦- الأمن يتحقق فقط من خلال احترام سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.وهنا يبقى التأكيد على موقف مصر الراسخ الداعم لاحترام سيادة الدول، واحترام القانون الدولي الداعم لإحلال السلم والأمن.والتأكيد في الوقت ذاته على أن مصر مستهدفة، وسجلات التاريخ تؤكد أنها الصخرة التي تتحطم عليها عدائيات الأمة العربية والإسلامية من التتار والحملات الصليبية إلى كسر الغطرسة الصهيونية في أكتوبر 1973.وهو ما يتطلب من الشعب المصري التلاحم، وتقوية الجبهة الداخلية خلف قيادة الدولة الوطنية، والتصدي لمؤامرات إشغال مصر عبر الحدود وما يسمى قافلة الصمود، وهي في الواقع قافلة تزييف الوعي وأحد آليات مخططات معادية تحت ستار دعم الأشقاء.حفظ الله مصر والأشقاء في فلسطين وحقن دماء الشعب الإيراني.